في حياتي الفنية جانب مجهول أردت ألا أعترف به ورأيت أن أقصيه وأن أسدل عليه الستار، لأنه في نظري اليوم لا يتصل بأدبي ولا يجوز أن يدخل في عداد عملي. ذلك هو عهد اشتغالي بكتابة القصص التمثيلي لفرقة (عكاشة) حوالي عام ١٩٢٣. غير أن المصادفة شاءت أخير أن ألتقي بمن يذكرني بهذا العهد، ويعرض عليّ طرفاً مما كنا نعمل في ذلك الحين. ذلك روائي اشترك معي في قطعة موسيقية قام بتلحينها المرحوم كامل الخلعي. ثم انقطع عن الفن منذ ذلك الوقت وشغلته شئون الحياة ثم اختلينا فجعل ينشد لي بعض أغاني رواياتنا القديمة وأنا في ذهول! شد ما تغيرت نظرتي للفن مرات ومرات خلال تلك السنوات! ولكنه هو باق كما كان على احترام تلك القواعد والمثل التي كانت هدفنا ومرمى أبصارنا في الكتابة المسرحية. إنه فيما خيل إلى لم يقرأ شيئا مما أكتب وأنشر اليوم. فهو لا يعترف بعملي الآن. وهو إذ يحادثني في شئون الفن لا يبدي اهتماماً ولا إعجاباً إلا بما كنت أصنع قبل خمسة عشر عاماً. أما اليوم فأنا في نظره غير موجود. إنه يذكرني بأشخاص رواياتنا الغابرة كمن يذكر بأناس من أهل الحسب والنسب والكرم والشهامة لن يجود بمثلهم الزمان. فهو يترحم عليهم ويقول:(مضى كل شيء! ولن نرى مثيلهم أبداً على خشبة مسرح من مسارح اليوم!). هذا الصحيح. وجعلت أتأمل قوله لحظة فخامرني شك في أمري اليوم وقلت في نفسي:(ألا يكون هو على حق؟ وأكون أنا قد ضللت وانحرفت عن طريق الفن الحق! إن فن المسرح فن مرجعه السليقة السليمة لا الثقافة الواسعة. إنه شيء والأدب شيء آخر. أتراني محتاجاً إلى خمسة عشر عاماً أخرى لأكر عائداً إلى ذلك النبع الذي بدأت منه ونأيت عنه؟).
توفيق الحكيم
صلوات فكر في محاريب الطبيعة
للأستاذ عبد المنعم خلاف
٦ - الأعشاش
الأشجار تتوجها الأعشاش المعمورة بالحب والرحمة والحنين. . . عليها أجنحة كاسرة،