للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حنجرة]

للدكتور محمد عوض محمد

اشهد إن الطبيعة قد تمنح، فتسرف في المنح، وتعطي فتجزل في العطاء وتنسى نفسها أحياناً، فتكيل السعادة لمن رضيت عنه بمكيال هائل، وتبذير منقطع النذير. وكان ذلك شأنها يوم أفرغت على الرجل العجيب (أنطون سو كيلوف) أسجال الهبات: بأن منحته تلك الثمينة الرائعة!

أجل وان المرء لتأخذه الدهشة عن يمينه وشماله، ومن ورائه وأمامه، ومن فوقه ومن تحته، حين يفكر في الوسائل المختلفة العديدة، التي تتوسل بهاالآلهة، لكي ترفع من تحبه على الناس درجات، وتحلق به في ملكوت السماوات: - ترضى عن هذا فتمنحه المال عن وفر وعن سعه، وتحب هذه فتكسوها أثواب الجمال: ثوباً فوق ثوب - كأنها ورق الكرنب - ويحلو للآلهة أن تنعم على ذلك فإذا هو ذو جاه عريض طويل، عميق غليظ.

ولكن اغرب شيٌ تهبه الآلهة هو مهن غير شك - تلك المميزات الجسدية: تلك القطع من اللحم والعظم والغضروف والجلد - يجري فيها الدم أحياناً؛ وأحياناً لا يجري فيها الدم مطلقاً. وطوراً يكسوها الشعر، وكثيراً ما تكون صلعات عارية من الشعر - تلك الأجزاء الجثمانيه؛ التي يحسبها الجهال من مصادفات الولادة، أو من غلطات الولادة وفي الحق هي السر الباتع الذي يحرك الفلك، وتدور له الكرة الأرضية من الغرب إلى الشرق.

وما على الذي يشك في صحة هذه الدعوى، أو يريد أن يتهمنا بالغلو والمبالغة، إلا إن يلقي نظرة يسيرة على التاريخ المكتوب وغير المكتوب، ويكفي أن يلقي النظرة على عجل وهو مغمض العينين، ليرى كم من صلعة لامعة قد ساست الممالك، ودوخت الجيوش، وكم من ذقن غليظ استطاع إخضاع القطار وتسخير كل جبار. وها نحن نسوق للقارئ أمثلة لا تحتمل الشك أو الإنكار.

هذه كيلوباطرة! بأي سلاح وبأية قوة استطاعت أن تخضع يوليوس قيصر، وتلفه حول إصبعها الخنصر؟ إبالقنابل والاساطيل؟ أما بالجيوش والدبابات، ام بالغازات الخانقة وغير الخانقة؟ لا بهذه - لعمرك - ولا بتلك. بل بقطعة انف مستدق مستطيل: خارت أمامها عزمة العأهل الروماني الهائل، الذي فتح الغال وبلاد الأسبان واستولى حتى على بريطانيا

<<  <  ج:
ص:  >  >>