ثم شمشون: الجبار شمشون، الذي استطاع أن يقتل ألفاً من الفلسطينيَّين وما بيده سلاح سوى عظمة الفك الأسفل لحمار نفق حديثا، والذي استطاع أن يقبض على العمودين اللذين يمسكان الهيكل الأكبر - وقد احتشد فيه أعداؤه آلافا مؤلفة - أمسك عموداً باليمين، وعموداً بالشمال، ثم مال بالعمودين وهو يقول:(على وعليهم يا رب!) فإذا الهيكل يتداعى والسقف ينقض بمن عليه، والبناء يندك بمن فيه. وإذا الآلاف المؤلفة تقبر، بما فيهم دليلة الخائنة الماكرة!.
ألا رحم الله شمشون! أنى جاءته كل هذه القوة وهذا الجبروت؟ ذلك هو السر الخطير، الذي أدلى به إلى دليلة الخائنة، حين أنبأها إن قواه كلها كاملة في تلك الشعارات التي نبتت في رأسه كما تنبت الأشعة في رأس الشمس.
وهكذا كان عضو بسيط من أعضاء الجسم سبباً في تحويل سطح الأرض، وفي قلب مجرى التاريخ. . .
إذن لماذا نعجب من إن الآلهة حينما أرادت أن تغدق النعم على (انطون) لم تزد على إن وهبته حنجرة؟. لم تهبه مالاً ولا عقلاً، ولا ذكاء ولا فهماً، ولا طرفاً ناعساً ولا وجهاً وسيماً. بل كل ما منحته وحبته به: حنجرة.
نفس عصام سودت عصاما
وعلمته الكر والإقدام
وصيرته ملكاً هماما
هذا جائز في عصام المذكور. أما (انطون سو كيلوف) فلم تكن له نفس تستحق الذكر، ولم يكن شجاعاً ولا هماماً ولا يعرف كراً ولا إقداماً. ولم يكن صاحب علم ولا جاه، بل صاحب حنجرة فحسب. يملكها وتملكه، وليس له من حطام الدنيا شيُ سواها، وليس لها من حطام الدنيا شيُ سواه وكانت هي سر سعادته؛ واستطاع هو أيضاً أن يجعلها سعيدة منعمة.