فقد العرب والمسلمون في هذه الأيام شخصية متوهجة جبارة من الشخصيات التي عرفها عصر النهضة الحديثة عند العرب، فقامت بنصيبها من العمل الكبير في نواحي التحرير السياسي، أو إيقاظ الرقود، وبعث الهمم في النفوس، أو إبراز عبقرية هذه الأمة في العلوم والآداب والفنون، بحيث انبثق من هذه المساعي. المشتركة والمتواصلة فحر الانبعاث الذي ينير لنا طريق المستقبل للناطقين بالضاد.
ومما يؤسف له أن هذا الطراز من رجال العلم والعمل قد قل في العهد الأخير فصرنا كلما فقدنا واحداً منهم لا نجد من يشغل مكانه أو يسد الفراغ الذي أحدثه فقدانه. ولاسيما هؤلاء النوابغ الذين دفعتهم علو همتهم وأسعفتهم مواهبهم فجمعوا إلى التبحر في اللغة والتمكن من أسرار البيان فحولة في النظم والنثر، ومعرفة واسعة بما يتصل بقومهم وعشائرهم ودينهم من تاريخ، وخبرة بشؤونهم العامة في السياسة والاجتماع والاقتصاد، يتوج كل هذه القابليات حماسة في الكتابة والتأليف، حبا بأن يشارك القراء الكاتب أو الباحث في صنوف المعارف التي تفيض بها صدورهم. ولعل فقيد العروبة والإسلام الأمير شكيب أرسلان خير مثال لهذه الطبقة من أعلام اليقظة.
تعددت مجالي النشاط الذي أخذ به أمير البيان لتنوير الأذهان، وبعث الأمجاد الخالية، وتوجيه الأفكار نحو طرق النهوض والإصلاح، فقد عنى في أول نشأته باللغة والأدب فنشر (الدرة التيمية) لابن المقفع من أول عهد شدا فيه الأدب قبل نحو خمسين سنة. ثم عالج الشعر فنظم في أبوابه المنوعة وجرت له مساجلات ومراجعات في القصيد مع بعض شعراء جيله، منهم محمود سامي باشا البارودي، الذي انعقد له لواء الزعامة في تجديد ديباجة الشعر العربي البليغ بعد أن أخلقت وعفى عليها الزمن بالركاكة والغثاثة. ومع أن الأمير لم يتفرغ للنظم لتوزع قريحته في أمور ومسائل متعددة بحيث كان مصليا في حلبة الشعر، فإن ما خلفه من القصائد الحسان يعبر عن سليقة خصبة، وطبع سليم مؤات لجيد المنظوم.
واستحكام أواصر المودة بين أمير البيان وأمير الشعراء، مما سجله قلم الكاتب العظيم في