كتابه:(شوقي أو صداقة أربعين عاما) يدل على تجاوب روحي بين هذين العلمين النيرين.
ولما اشتد ساعد شكيب ونضج فكره، دفعه حب الاستطلاع وروح الغيرة المتقد في ذهنه، إلى الاتصال بالصفوة المختارة من رواد النهضة والإصلاح، ولاسيما السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، والشيخ طاهر الجزائري، فاقتبس من أنوارهم، وثقف من مبتكراتهم، وتطلع إلى سعة آفاقهم، ما أنشأه هذه النشأة الحافلة فظل حياته مهموما بدراسة علل تأخر العرب والمسلمين، وسر تقدمهم في العُصر الخوالي، ووسائل إنهاضهم من كبوتهم. وكم جرى قلمه بمقالات وبحوث، ووعت تواليفه من آراء وخطط تجري في هذه المسالك الرشيدة، والمتابع لسيرة الرجل يجد أنه لم يقصر همه على الكتابة والتأليف في السعي مع الساعين لخلق النهضة الجديدة، إنما خاض غمار مداولات مع رجال الدول والممالك، واتصل بهيئات وجماعات مختلفة الأجناس والمنازع جرياً وراء هذا الهدف القومي السامي.
وقد كان الأمير حريصاً على المكاتبة طويل النفس في المراسلة يمده روحه الحائر العالق بأهداب المجد، بالجلد والمواظبة على هذا الجهد، فلا يقف عند الكتابة، والتصنيف في الموضوعات التي يهواها.
وأمر واحد لم يشتهر به شكيب أرسلان هو الخطابة، فلم يؤثر عنه مواقف خطابية ذات خطر، والعل لانقضاء أمد طويل عليه يطوف في البلدان، ويتنقل في المهاجر، حاملا رسالة البعث العربي الإسلامي وفي قلبه إيمان راسخ، وفي يده قلم عسال، مما احتسبهما لخدمة بني أمه خدمة نصوحاً، جعله أن يبقى بعيداً عن المنابر.
والميزة التي اشتهر بها الفقيد الجليل وستخلد آثاره على وجه الزمن هذه الإحاطة المدهشة بأحوال العرب وشؤون المسلمين تحت كل كوكب، ومن شواهد هذه الخصيصة تعليقاته على كتاب:(حاضر العالم الإسلامي) لستودارد الأمريكي، فإن حواشيه وشروحه والفوائد التي علقها على متن مترجمة الأستاذ عجاج نويهض للكتاب تستوعب مجلدين كبيرين من كتب اليوم وفيها من صفة ديار العرب والمسلمين وأوضاع أهليها ما قلما تعثر عليه في مظنة أخرى. وفي هذا السفر صفحات لامعة كتبها علامتنا في الترجمة لجماعة من زعماء الشرق عرفهم وخبرهم بنفسه ما يكشف عن مغاليق حياتهم ويوجد مفتاح شخصيتهم، كما