ذكرنا في حديثنا السابق محملا عن طب العرب في الجاهلية، ونبذة عن مصادر الطب الإسلامي وتأثير علوم اليونان فيه، وتحدثنا عن كيفية نقل علوم اليونان وسائر الأمم إلى العربية، وذكرنا أن المسلمين بدأوا ترجمة العلوم منذ القرون الأول الهجري أي من بدء تعرفهم عى الأمم الأخرى واتصالهم بها، وقلنا إن هذه التراجم قد تحسنت بالتدريج واتسعت دائرتها حتى بلغت ذروتها في زمن المأمون، وكان للايرانيين حينذاك نفوذ كبير في المجتمع الإسلامي، أي عندما كانت النهضة العلمية الإسلامية في أوجها، وإن عدداً كبيراً من مترجمي هذا العصر قام بإصلاح التراجم السابقة.
وفي حديثنا اليوم سنتكلم بإيجاز عن هذا العصر ثم نتحدث عن ظهور كبار الأطباء المسلمين من أصحاب الرأي والنظر وعن مطالعاتهم ودراساتهم في الأمراض والعلل وعلاجها، وفي مطالعاتهم عن أحوال المريض بجانب سريره، ونذكر نبذة عن البيمارستانات عند المسلمين.
كان المأمون مهتما بهذا الأمر لدرجة أنه كان يبعث الهدايا الثمينة لملوك الروم ويسألهم مقابل ذلك الإذن في إنفاذ بعض المختار من كتب الفلسفة والعلوم القديمة المخزونة المدخرة لديهم إليه، وكان من جملة شروط الصلح بين الخلافة الإسلامية، وامبراطورية روما الشرقية، أن يأذن امبراطور الروم للمسلمين بشراء الكتب العلمية اليونانية من البلاد التابعة له، وكانت الكتب التي تصل إلى المأمون خير الهدايا التي يبعث بها إليه الملوك.
يقول ويتينجتون في مؤلفه عن تاريخ الطب:(إن فتوح المسلمين العلمية ليست بأقل أهمية من فتوحهم للبلاد وغزوهم لها)
وقد اقتدى بالمأمون كثير من السراة الأغنياء من أهل الفضل والذوق وبذلوا جهوداً كبيرة في ترجمة الكتب العلمية ونقلها إلى العربية.