للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[السراب الثاني]

للدكتور إبراهيم ناجي

لا القوم راحوا بأخبار ولا جاءوا ... ولا لِقلبك عن ليلاكَ أنباء

جفا الربيع ليالينا وغادرها ... وأقفر الروض لا ظل ولا ماء

يا شافيَ الداء قد أوْدى بيَ الداءُ ... أما لذا الظمأِ القتال إرواءُ

ولا لطائر قلب أن يقر ولا ... لمركب فزع في الشط إرساء!

عندي سماء شتاء غيرُ ممطرة ... سوداء في جنبات النفس جرداء

هوجاء آونةً خرساء آونةً ... وليس تخدع ظني وهي خرساء

فكم سجا الليل إلا هامس قلق ... كأنه نفسٌ في الليل مشّاء

أأنت ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي؟ ... فلى إليكِ بأذْنِ الوهم إصغاء

لبيكِ لو عند روحي ما تطير به ... وكيف ينهض بالمجروح إعياء

لمنْ قِيامي وبعثي هذه صورٌ ... لا تصطبي وتماثيلٌ وأزياء

ومعرضٌ أجوف المعنى وأسماء ... مذ آذَنتْنا بهذا البين أسماء

يا ليل! كل نهار ميّت فإذا ... ناديتِ قام كما للبعث إحياء

وليس يبلى نهار في هواك مضى ... هيهات ينسيه إصباح وإمساء

طاب اللقاء به لاثنين فانفردا ... فتى به سقم بادٍ وحسناء

جمالها توبة الدنيا وغُرتها ... كفارة عن ذنوب الدهر بيضاء

وشعرها الفاحم انسابت جداوله ... تكاد تسطع حسناً وهي سوداء

نامت به خٌصلٌ واسترسلت خصل ... لها وللعاج خلف الليل إغراء

توهجتْ شمس ذاك اليوم واتقدت ... كأنها شعلة في الأفق حمراء

تفرق الناس حول الشط واجتمعوا ... لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاء

وآخرون كسالى في أماكنهم ... كأنهم في رمال الشط أنضاء

تحَّللوا من قيود العيش وانطلقوا ... لاُ همْ أسارى ولا فيهم أرقّاء

تنزّل الدهر يوماً عن مشيئته ... وحكمه فلهم في الدهر ما شاءوا

هُمُ الورى قبل إفساد الزمان لهم ... وقبل أن تتحدى الحب بغضاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>