[ذكرى أخي الهراوي]
للأستاذ علي الجندي
قبل وفاة صديقي المرحوم الهراوي بشهر، أرسل إلي بطاقة لطيفة حملها (ألف قبلة وتحية) ورجاني فيها أن أزوره بمقر وظيفته ليحادثني في شأن من الشؤون الأدبية. وقد عدتني عواد عن تلبية هذه الدعوة في حينها، ثم ذهبت بعد ذلك إلى دار الكتب فسألت عنه، فقال لي البواب: (تعيش) لقد توفي أمس إلى رحمة الله!
كانت الصدمة عنيفة أذهلتني عن كل شيء حتى عن واجب العزاء لأسرته، وحاولت أن أرثيه فلم أستطع، فقد غال الحزن بياني وغشى على مشاعري، وكان أنكى علي من ذلك ما تهامس به بعض الناس: من أني أخللت بواجب الإخاء! كأنهم لا يدرون - عفا الله عنهم - أن من الألم ما يحمي صاحبه الكلام كما يحميه الطعام!
والآن وقد انكسر الحزن ورسب سعيره في الأعماق، أهدي إلى روح صديقي في مسراه العلوي هذه الطاقة الشعرية مستنزلاً عليه الرحمة والرضوان العميم:
جهلَ العاذلونَ فيكَ مُصابي ... فأطالوا مَلامتي وعتابي
وأذاعوا: أني بخلتُ بدمعي ... ورثائي على أبرِّ الصِّحابِ
وعزائي عِلْمي بأنّك تدري ... ما أُعاني من حُرقة واكتئاب
رُبَّ باك يذري دموع التماسي ... ح من الموجعات خالي الوطاب
وجليدٍ يفترُّ عن سنِّ جذلا ... ن طوَى كشحه على الأوصاب
وخليّ الفؤاد من لاعج الحبّ ... (م) يُرى صابياً وليس بصابي
أعذَرُ الناس من دهتْه الرزايا ... ونَهَتْ دمعَه عن التَّسكاب
فهنيئاً لهم بكوْا فاستراحوا ... وكتمت الجوى، فطال عذابي
أيها اللائمون عَدُّوا عن اللو ... م وقُيتمْ - على الإساءة - ما بي
لو بكم ما بنا، وبان عليكم ... لَلبِستمْ به سوادَ الغراب
لا يُحسّ الآلام من دينه الله ... وولا يدْرَكُ الصبى بالتصابي
كثرت بيننا الجِياد ولكن ... قصبُ السبق للمذَاكي العِراب
وحمامُ الرياض يبكي فنشجَى ... حين تبكي مطوّقاتُ الرِّقاب