للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكتب]

زبدة الحلب من تاريخ حلب

ألفه كمال عمر بن أحمد بن العديم ونشره الدكتور سامي

الدهان

للأستاذ إبراهيم الابياري

أكاد أعرف التاريخ العربي في مظهرين عام وخاص، فهو إلى العموم حين يعرض للحياة يقول فيها لا يحد نفسه بمكان أو زمان ولا يخص بيئة دون بيئة، ولا يقف عند أناس دون أناس. بل هو سالك الأزمان كلها في سلك واحد يبدأ من حيث بدأ الله خلقه، ثم يجري في إثر من نسل أبو البشر يقص مالهم ويروي ما وعي عنهم حتى يدرك شهر زاد الصباح.

وما كان منه إلى الخصوص فهو ذلك الذي فرغ لسير الأفراد يجمعها ويلم نوادها ومتفرقاتها فتجتمع لك حياة الفرد من شبه إلى دبه ناطقة بما كان له وما كان عنه تغنى بها عن الرجوع إلى أماكن مختلفة من المظان. ومن هذا الخاص كتب في التاريخ عقدت لسير البلاد لا الأفراد تقدم علي ابن العديم فيها الخطيب البغدادي بكتابه تاريخ بغداد، وابن عساكر بكتابه تاريخ دمشق. والتاريخ في سير الأفراد أقرب إلى التوفيق منه في سير البلاد. فأتت تقرأ للمؤرخين في سيرة الفرد الحياة الخاصة والعامة، وفي كلتيهما ما يعوزك لترى رأيك وتحكم حكمك، ولكنك في سير البلاد واقف في أولها عند كلمة عن طبيعة البلد وما خصه الله به وما قيل به ثم منتقل إلى الحديث عن الناس الذين تربطهم بهذا البلد صلات. وقد يبدو في هذا شيء من الخصوص ولكنه ليس الخصوص كله كما هي الحال في سير الأفراد؛ فالفرد في الأولى هو الذي يدور حوله الحديث، والبلد في الثانية لا يختص من الحديث بغير نزول فلان إليه ونزوحه عنه، وتولى هذا للحكم وذاك للقضاء دون شيء يكشف لك في وضوح واتصال عن حياة هذا البلد في مظاهره مع الأيام وتداولها.

هذا شيء في الحق أعوز هؤلاء المؤرخين الذين عقدوا كتبا في سير البلدان، لم يخصوا البلد فيها إلا بالمقدمة ثم هم بعد ذلك قائلون في سير الأفراد الذين تربطهم بالبلد صلات

<<  <  ج:
ص:  >  >>