وقف الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل وقفة طويلة في كتابه (الأبطال) عند البطل في صورة الأديب وعرفه بأنه (. . الرجل الذي يردد لنا نفسه الملهمة، وأقول الملهمة لأن ما نسميه بالعبقرية أو الصدق أو الموهبة أو صفة البطولة التي لا نجد لها اسماً خليقاً بها تدل على أن الأديب هو الذي يعيش في أعماق الأشياء؛ في الحقيقي، في الإلهي؛ في الخالد الذي يوجد أبداً والذي لا تراه الدهماء، لأنه يختفي وراء الزائل الحقير دائماً أبداً. الأديب هو الذي يذيع هذا الخفي للناس بالقول أو بالعمل؛ وحياته إذن قطعة من قلب الطبيعة الذي لا يعتوره الفناء) ثم استعان بآراء الفيلسوف الألماني (فخته) الذي أذاع سلسلة محاضرات في موضوع (طبيعة الرجل الأديب) قال فيها أن كل الأعمال التي يعملها الناس والأشياء التي تقع عليها أبصارهم في هذه الدنيا ليست الا ثوباً أو مظهراً إحساسياً يجثم وراءها ما أسماه (فكرة العالم الإلهية) وهي (الحقيقة التي توجد في أعماق المظاهر جميعا) وهي بالطبع لا تظهر لعامة الناس لأنهم يعيشون بين المظاهر والماديات. فرسالة الأديب أن يميز لنفسه وللناس هذه الفكرة الإلهية بما فيها من روعة وجمال وقوة وأن يقف إلى جانبها معجبا متعجبا؛ وان يذيعها في الناس حتى يكونوا أنعم بحياتهم وأقدر على فهم وجودهم. عليه أن يسمو بهم فوق رغبات العيش المادي من طعام وشراب وكساء وأن يحررهم (ولو إلى حد ما) من قيود الزمان والمكان.
وأظنك تستطيع أن تتخذ هذا التعريف مقياسا توازن به بين الأدب الحي والأدب الميت. فكما يوجد في هذا العالم أطباء ودجالون يدعون الطب كذلك يوجد أدباء وأدعياء يدعون الأدب. وإذا كنت تحرص الحرص كله على التمييز بين النقود الصحيحة والنقود الزائفة وهي التي تحصل بها على أغراضك المادية فالأجدر بك أن تكون أكثر حرصا على التمييز بين الآثار الأدبية الصالحة والآثار الأدبية الزائفة وهي التي تحصل بها على أغراضك الروحية.
والأديب يولد ولا يصنع (كما يقول الإنجليز) أي أنه رجل لا يكتسب صنعة الأديب بالتعلم والمران ما لم يكن موهوبا بطبيعته. بيد أن هذه الموهبة كالشجرة ما لم تثقف وتشذب فلن