ذلك هو التقسيم الأساسي للعمل، وهناك تقسيم آخر أغفله اليونان واستعمله الرومان، وهو تقسيم العمل إلى فصول، والفصول إلى مناظر. فالفصول هي مراحل العمل أو درجاته، تفصل بين كل درجة وأخرى فترة تسمى استراحة، والمناظر أجزاء الفصل المختلفة، وتحدد بدخول ممثل أو خروجه. ولعلك لا تكتفي بالتعريف في شرح هذه الكلمات، فدونك شيئاً من التفصيل:
الفصل: لم يعرف الإغريق كما قلت تقسيم الرواية إلى فصول، وإنما كانوا يعرفون شيئاً يشبه ذلك في تمثيل ثلاث مآس في موضوع واحد، كل مأساة لها كيان مستقل عن الأخرى. أما اللاتين فقد قسموها إلى فصول حصرها هوراس في خمسة لا تزيد ولا تنقص. ففي الأول يعرض العمل، وفي الثاني يبسط، وفي الثالث يُعقد، وفي الرابع يهيأ حله، وفي الخامس يحل. ولكن جعل هذا التقسيم قاعدة مطلقة لا يخلو من ضرر. وإلا فماذا يصنعون في موضوع يعرض في منظر ويحل بكلمة؟ أيترك وهو طريف مؤثر صالح للتمثيل، أم يملأ بالتطويل والحشو حتى يكمل؟ وما حكمهم على مأساة أو ملهاة محكمة النسج لا تبدأ عقدتها إلا في الفصل الثالث، ثم يخصص لحلها الفصل الخامس؟ إن التعقيد هو جسم العمل وروحه كما علمت، فينبغي أن ينزل من الرواية في أوسع محل، بل يجب أن يكون كالتيه، مدخله العرض ومخرجه الحل. وأمهر الكتاب وأقدرهم من عجل بالتعقيد ثم طوله ما استطاع محكماً لقوته، متدرجاً في عقدته.
الحق أن جريان العرف بتقسيم الرواية إلى خمسة فصول ليس قائماً على أساس متين فيفرض، ولا هو خالياً من الفائدة الفنية فيرفض، إنما المرجع في ذلك كله إلى طبيعة الموضوع، فإذا كان قوياً غنياً يستطيع أن يملأ خمسة الفصول كان ذلك التقسيم أدعى إلى