للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

دراسات في الفن

طابعنا المصري في فننا

للأستاذ عزيز أحمد فهمي

منذ أحس المصريون حاجتهم إلى أيجاد كيان ذاتي خاص بهم يميزهم من غيرهم، وأهل الفن منهم يجهدون أنفسهم سعياً وراء فن قومي يكون له طابعه المصري الخاص الذي إذا اتضح وتجلى ثبت للعالم كله أن مصر لها ذوق فني قائم بذاته، وأنها بذلك الفن أمة جديرة بالاعتناء حقيقة بأن تمضي بين الشعوب الحية في هذا الزمان؛ فإنه لا شيء يميز أمة من أمة إلا الفن، لأنه النتاج النفسي المعبر عن إحساسهم والذي لا يحسه غيرهم، ولا يمكن أن يحسه غيرهم إلا إذا عاش معهم في ثنايا مجتمعهم وعلى أرضهم وتحت كل المؤثرات المادية والمعنوية التي تؤثر فيهم. وهذا شيء يستلزمه الفن وحده؛ وهو في هذا يختلف عن العلم الذي تستطيع كل العقول البشرية أن تساهم فيه وأن تتشابه. فأنت إذا ذكرت لأي إنسان الرقم (٥) لم يبعد أن يطوف بذهنه أن الخمسة مجموعة من الاثنين والثلاثة، أو من الواحد والأربعة، ولكنه لا يمكن أن يخطر على بال أحد من غير المصريين أن الرقم (٥) له معنى آخر وهو مقاومته للحسد، ذلك أن هذا التحول بمعنى الرقم الأصلي إلى هذا المعنى العرفي الجديد شيء اصطلح عليه المصريون وحدهم وقد هيأتهم له عوامل ودوافع لم تتخلق في غير البيئة المصرية، وهذا التحول الجديد اسمه عند أصحاب البلاغة كناية أو مجاز أو أي اسم آخر من هذه الأسماء التي تشير إلى أن الكلمة قد خرجت عن معناها الأصلي إلى معنى جديد. . . ولا شيء يصنع هذا الصنيع بالكلمات إلا الفن.

هذا والمصري يتعلم الحساب كما يتعلمه الفرنسي ولكنه لا يعرف للرقم (٥) المعنى الذي نعرفه. إن الفرنسي يدرس الهندسة النظرية كما يدرسها الياباني، ولكنه حين يطبقها وحين يخرج بها من العلم النظري إلى الفن المنفوث فيه من ذوقه وروحه كانت عمارته التي يجمع علمه بالهندسة لإنشائها مختلفة اختلافاً تاماً في مظهرها وتكوينها عن عمارة الياباني التي ينفث فيها هو أيضا من ذوقه وروحه ما ربته اليابان في نفسه بمناخها، وطبيعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>