لمن هذه الرشاشات منصوبة في الميادين والطرقات؟ لمن هذه المصفحات وهذه الدبابات، تروح وتغدو في الشوارع والساحات؟ لم تحوم في الجو هذه الطيارات؟
لماذا يساق هؤلاء الجنود من كل جنس وكل لون، فمن الشقر الفرنسيين الذين علموا أمم الأرض كيف تكون الثورة على الظالمين، وكيف تنتزع الحرية من بين أنياب الأقوياء المستبدين؛ إلى السمر المغاربة المسلمين، الذين جاءوا راغبين أو راهبين، ليحاربوا إخوانهم المسلمين؛ إلى السود السنغاليين،
من كل أشمط تدنى الموت طلعته ... ينساب في لهوات الليل ثعبانا
زعانف وعباديد برابرة ... لا يعرفون لهذا الكون ديانا
إلى الصفر الهنديين الصينيين؛ إلى هؤلاء (المتطوعة) أنصار الباطل، جزاة الخير بالشر، الذين أكلوا خبزنا وحاربونا!! أكُل ذلك لأن هذا الشعب الأعزل تحرك؟ أكُل ذلك لأن دمشق غضبت؟
تيهي إذن يا دمشق واعتزي، فما أنت بالضعيفة ولا بالهينة، وقد حشدوا لك مالا يحشدون أكثر منه لقوم هتلر، وشيعة ستالين!
كانت دمشق يوم الجمعة صابرة تتجرع حزنها على (إبراهيم) في صمت رهيب، وسكوت هائل، فلم تحرك ساكناً، وما دمشق بالتي تعرف أنه المكلوم، أو استغاثة العاجز، ولكنها تعرف الصبر الذي لا يصبر عليه الدهر، أو الصرخة التي تصدع الصخر، وتخرج الميت من القبر؛ وما دمشق بالتي تعرف هذا الاحتجاج الضعيف، احتجاج (أوسعته شتماً وأودي بالإبل). . . ولكنها تتلقى الضربات بصدر كأنه الجلمود لا يشقق ولا يرفض ولا يلين.
وباتت دمشق على هذا الصمت، فلم يمض هزيع من الليل حتى سمعت الصريخ، فأفقت فزعة، تسأل: - ما الخبر - قيل: اختطفوا (فخري البارودي)
ابن دمشق يختطف من حضن أمه وهي نائمة؟. . . يا للهول الأكبر! يا لهبة دمشق! يا لغضبة البطل الغَشَمْشَم!