عرفت شوقي عن عيان سنة ١٩٢٧ في المهرجان الذي أقيم لتكريمه في القاهرة. عرفني به صديقي الأستاذ محمد كرد علي، وكان قد وفد فيمن وفدوا من أقطاب الأدب وأعيان العرب ليشاركوا مصر في تكريم شاعر العربية العظيم؛ فذهبت إليه في فندق الكنتنتال أزوره، فوجدته بالشرفة جالساً في قلادة من أولى الفضل يتوسطها شوقي، فلما رآني مقبلا هش لي ورف على، وقال لشوقي وهو يبتسم ويتهلل: هذا هو الرجل الذي أنصفك! فلما استسماني الشاعر النابه عجب الأستاذ كرد على ألا يكون بيننا تعارف ونحن نعيش في بلد واحد ونسير في طريق واحد. وسماني له، فتلقاني ببشره وشكره وأنسه، ثم توثقت بيني وبينه أسباب المودة سنتين كاملتين رحلت بعدهما إلى العراق. وفي أثناء مقامي ببغداد اصطفاه الله لجواره، فلم أره بعد ذلك إلا رؤيا، ولم أتمثله إلا ذكرى!
كان الأستاذ كرد علي يشير بإنصافي إلى مقال نشرته يومئذ في العدد الخاص بتكريمه من (السياسة الأسبوعية) عنوانه (ما لشوقي وما عليه)؛ وكن كثر ما كتب في هذا العدد عن شوقي أقرب إلى النكير وأدنى إلى الجراح، فداخل شوقي ظنون من إخراج هذا العدد، وحك في صدره أشياء من جهة هيكل؛ وأرهج بعض الناس بين الصديقين بالفساد حتى كاد أن تقع بينهما جفوة.
قال لي شوقي وقد أخذ بذراعي والقوم منصرفون: إني أشكرك على نقدك وتقريظك على حد سواء، فان الحق فيما أخذت لي ظاهر، والعدل فيما أخذت علي صريح. وإني أسلم لك ما عددت من هفواتي وأرده إلى اختلاف الأثر بين عصرين وثقافتين وذوقين. وليس من السهل أن يتجرد الشاعر أو الكاتب جملة أو فجأة من عوامل الوارثة والدراسة والبيئة ولكن ما رأيك فيما كتب فلان وفلان؟ وهل كان من مقتضيات الحال أن تنشر مجلة صديقي هيكل آراء خصومي في عدد تكرمي؟ فقلت له: إن رئيس تحرير السياسة كاتب يعرف قيمة النقد. ويرعى حرمة الرأي؛ وقد طلب إلى طائفة من أعلام الأدب أن يدلوا بآرائهم في الشاعر من غير تحديد لجهة، ولا تعين لقصد، ليكون العدد الخاص على ما أعتقد دراسة فنية شاملة لنواحي الشاعر تتعارض فيها الآراء، وتتقارع فيها الحجج، فتتألف من هنا ومن