لغزوة بدر أثر كبير في حياة الدولة الإسلامية الناشئة ففيها جمع المكيون أمرهم، وحشدوا قوتهم، وأقبلوا بجموعهم، يريدون القضاء على هذه الجماعة التي عابت دينهم، وسفهت أحلامهم، ووجدوا أن الفرصة التي طالما تمنوها في هذه واتتهم بمهاجمة محمد وصحبه، فيمضي دينه معه، ويعودون إلى ما كانوا عليه من قبل، لا ينغص عليهم حياتهم دعوة إلى نبذ ما ألفوه، وطرح ما ورثوه عن آبائهم من عقائد وعادات.
ولكن الدائرة دارت عليهم، على غير ما كانوا يؤملون، وانتصر المسلمون انتصاراً مؤزراً، قتلوا فيه جمعاً من رجالات قريش، وأسروا طائفة أخرى، وعاد الرسول وصحبه فرحين بانتصارهم، مبتهجين بما أفاء الله عليهم، ورجع المكيون يحرقون الأرم على ما نزل من القرآن الكريم في هذه الغزوة المباركة سورة كاملة، هي سورة الأنفال، تنوع فيها القول بين حديث عن المؤمنين، وحديث عن المشركين، وسن أحكام جديدة يقتضيها هذا العهد الجديد من عهود الجهاد.
تحدثت السورة عن هذه الغزوة، فتغلغلت إلى أعماق نفسية المؤمنين، فحدثتنا عن كراهة بعضهم للخروج إلى القتال كراهة مليئة بالخوف والجزع، وقد دفعهم ذلك إلى جدال الرسول جدالاً عنيفاً، برغم ما يسوقه الرسول من حجج، يؤيد بها ما يريده من الخروج إلى حرب القرشيين، ويصور القرآن في صراحة جزع هؤلاء إذ يقول:(كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون، يجادلونك في الحق بعد ما تبين، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) ولعل قلة المسلمين يومئذ هي التي دفعت هذا الفريق إلى الجدال، وإلى الرغبة في أن يستولوا على أموال المكيين، ويعودوا المدينة بلا قتال. وهنا يذكر القرآن أن الله لم يخرجهم من ديارهم رغبة في مغنم يحصلون عليه، ولكن يريد أن يثبت بهم دعائم هذا الدين الجديد، وينصر الحق (ويقطع دابر الكافرين).