وتصور السورة المؤمنين، وقد وصلوا إلى ميدان المعركة، شاعرين بضعفهم، لاجئين إلى الله أن يمدهم بقوة من عنده، فيمضي الرسول مقوياً من روحهم المعنوية، ويعدهم بأن الله سيمدهم بالملائكة ينصرونهم، حتى تطمئن قلوبهم، ويملأ التفاؤل أنفسهم، وكان لذلك أثره، فثبتوا في المعركة ثابتاً أذهل أعداءهم، وملأ قلبهم بالوهن والرعب، حتى تمكن المسلمون من ضرب أعناقهم وبتر أعضائهم، (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أتى معكم، فثبتوا الذين آمنوا، سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب، فاضربوا فوق الأعناق، واضربوا منهم كل بنان).
ويرسم القتال ميدان القتال، وقد اتخذ فيه المسلمون أماكنهم بالعدوة الدنيا من وادي بدر، واتخذ الأعداء أماكنهم بالعدوة القصوى منه، وكأنما يريد القرآن ألا ينسوا هذا الموقف، وأن يذكروا ما كان يخالطهم فيه من مشاعر واحساسات، ويسجل شعور الطائفتين عندما تراءى الجمعان، فقد خيل للمسلمين أن أعداءهم قلة فأقبلوا مستميتين في القتال حتى هزموهم، وخيل للمشركين أن أصحاب محمد قلة، فخاضوا غمار المعركة مستهينين، وقد ألقى في نفس الطائفتين هذا الشعور، ليتم ما أراده الله من انتهاء المعركة بما انتهت به، انتهاء أوحى إلى نفوس المسلمين الشعور بقوتهم ما داموا ينصرون الحق، ويذودون عن الدين الصحيح، حتى لكأن الله يدافع عنهم، ويذود دونهم، (إذ أنتم بالعدوة الدنيا، وهم بالعدوة القصوى، والركب أسفل منكم، ولو تواعدتم لا اختلفتم في الميعاد، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم، إذ يريكم الله في منامك قليلاً، ولو أراكهم كثيراً فشلتم، ولتنازعتم في الأمر، ولكن الله سلم، أنه عليم بذات الصدور، وإذ يريكم إذ التقيتم في أعينكم قليلا، ويقلكم في أعينهم، ليقضي الله أمراً كان مفعولا، وإلى الله ترجع الأمور). وهو عندما يذكرهم بالله وقوته، حين يقول:(فلم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى) - يملأ قلوبهم ثقة بالله، واطمئناناً إلى نصره لهم، فتقوى روحهم المعنوية، ويقدمون على القتال بلا خوف ولا رهبة.
وتحدثت السورة عن المؤمنين، وأخذت تحثهم على طاعة الرسول، بعد أن تبينوا يمن رأيه، والنجاح فيما دعاهم إليه، وهنا ينفر من العصيان، مخرجا العاصين من عداد بني