الإنسان، مذكراً إياهم بهذه النعمة الشاملة التي أسبغها عليهم، وهي نعمة أمنهم بعد الخوف، ونصرهم بعد الضعف، فجدير بهم أن استجيبوا لله وللرسول وألا يخونوهما، وألا يدعوا أموالهم وأولادهم تحول بينهم وبين هذه الطاعة، (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم،. . . واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض، تخافون أن يتخطفكم الناس، فآواكم، وأيدكم بنصره، ورزقكم من الطيبات، لعلكم تشكرون، يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول، وتخونوا أماناتكم، وأنتم تعلمون واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة، وأن الله عنده أجر عظيم). وإذا كانت السورة قد عنيت بصفة الطاعة هنا، فحثت المؤمنين عليها، فلأن صفة الطاعة أهم صفات الجندي، وأول خلة تطلب فيه، وبدونها لا يمكن كسب معركة، ولا الانتصار في قتال، والسورة تعدهم للجندية، فلا غزو أن دعتهم إلى الاستمساك بأهم صفاتها.
كما تحدثت حديثاً طويلاً عن المشركين، وصفت فيه موقفهم من الرسول، وموقفهم من القرآن، وموقفهم من الدين الجديد وتعاليمه:
أما موقفهم من رسول الله، فقد دبروا له المكايد، يريدون أن يحبسوه، أو يقتلوه أو يخرجوه، وكان موقفهم من هذا الدين الجديد موقف السفهاء الذين يدفعهم سوء تفكيرهم إلى أن يطلبوا آية تؤذيهم. وكان موقفهم من الصلاة سخرية واستهزاء، ويصف القرآن بذلهم الأموال لهدم هذا الدين الجديد، ويسخر من ضياعها سدى، قال سبحانه. (وإذ يمكر بك الذين كفروا، ليثبتوك، أو يقتلوك، أو يخرجوك، ويمكرون، ويمكر الله والله خير الماكرين، وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا: قد سمعنا، لو نشاء لقلنا مثل هذا، إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم،. . . وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصديه، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، إن الذين كفروا ينفقون أموالهم، ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها، ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون).
والقرآن في هذه السورة بصور نفسيتهم عندما جاءوا إلى المعركة، فقد كان يملأ أفئدتهم، وكانوا يرغبون رغبة ملحة في أن يطير ذكر خروجهم في العرب، وأن يخنقوا هذا الدين الجديد، وقد أصغوا إلى ما غرهم به الشيطان وعدهم من النصر ولكنه لم يلبث أن تركهم