للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وحدهم في ميدان المعركة لمصيرهم المشئوم. لقد طار غرورهم تحت شدة وطأة الضربات القوية التي كآلها المسلمون لهم، والقرآن يصور ذلك في أسلوب أخاذ، فيقول (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل الله، والله بما يعملون محيط، وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم، وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإنيجار لكم، فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه، وقال إني برئ منكم، إني أرى مالا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب)

ومع تهديد القران للمشركين، وتوعده لهم قائلا: (إن تستفحوا فقد جاءكم الفتح، وإن تنتهوا فهو خير لكم، وإن تعودوا، نعد، ولن تغنى عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت، وأن الله مع المؤمنين) - يفتح أمامهم باب الأمل، ويمهد أمامهم السبيل للعودة إلى الحق وتركوا اللجاج في الطغيان، (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر ما قد سلف، وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين) وذكرهم القرآن بآل فرعون ومصيرهم عندما (كفروا بآيات الله، فأخذهم الله بذنوبهم، إن الله قوى شديد العقاب)؛ وصور لهم المصير المؤلم الذي ينتظرهم، إذا هم أصروا على عنادهم، وتمادوا في كفرهم، فإن الملائكة يستقبلونهم شر استقبال، ويدفعونهم إلى عذاب أليم، (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق، ذلك بما قدمت أيديهم، وأن الله ليس بظلام للعبيد)؛ وكل ذلك يدفعهم إلى التفكير العميق، ويثير فيهم غريزة المحافظة على الذات كي لا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، وكي يعدوا منذ اليوم عدتهم للنجاة من هذا المصير.

ولما كانت معركة بدر أولى المعارك الكبرى، فقد ضمت سورتها تعاليم عليها في حروبهم المقبلة.

وأول هذه التعاليم الثبات المستميت في الجهاد، وهو يتوعد شديد الإبعاد من يفر من المعركة، لما للفرار من الأثر في تحطيم وحدة الجيش والذهاب بماله من قوة معنوية، فقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار، ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله، ومأواه جهنم، وبئس المصير)

ومن تلك التعاليم ألا يسمحوا للنزاع بأن يدب بينهم، وأن تكون الطاعة لله وللرسول

<<  <  ج:
ص:  >  >>