هذا الملك البطل قد أصبح بعد حياته حيا بين أبطال الأساطير وزاده مصرعه الفاجع عظمة على عظمته. وهو ملقى مضرجاً بدمه الغالي على أطراف الصخور المسنونة
ولم يكن ألبرت الأول ملكاً عظيماً فحسب، بل كان أيضاً رجلاً عظيما. وله قبل الحرب صورة تمثله والشاعر الأديب فرهيرن في وسط الأسرة المالكة في جو ديمقراطي، والأنجال إلى المائدة، والجميع يسمرون تحت المصباح وقيثارته الملكية ترسل أنغامها بعد العشاء.
ولم يكن هناك أثر للمراسم وأوضاعها التقليدية في علاقة صاحب التاج بالعلماء والكتاب وأهل الفن من أبناء البلاد. فقد كان يعلم حق العلم أن الفكر كالبطولة فله النصيب الأوفر في توثيق وحدة البلاد وجعلها موضع احترام العاملين وإعجابهم. ولقد استنهض الهمم لتوفير عتاد من مال الأمة مرصود على البحث العلمي، كما أنه فكر في تأسيس مجمع للغة والأدب، ومنح الأديب الروائي ماترلنك رتبة الكونت، ورفع لفيفا من الرسامين والمثالين ومهندسي العمارة إلى رتبة البارونات. وظلت الآداب والفنون مدى ربع القرن الذي حكمه عزيزة الجانب، تزداد مكانتها رفعة، وتستمتع بحرية لا عهد بها من قبل.
فالحق أنه أول ملك على بلجيكا بدت منه الشواهد الجمة على عناية حقيقة بالجانب الأدبي في بلاده. فأن والده العظيم ليوبولد الثاني مع مناداته بأن الأدب هو زهرة المدنية الرفيعة، لم يؤثر عنه قط متابعة جهد الأدباء وتشجيعهم، وهم أولاء الذين شقوا الطريق للشباب البلجيكي ولهم الفضل الكبير على كتابها المشاهير أمثال فرهيرن وماترلنك
ولئن كان الملك البرت قد تخرج على الأخص في العلوم، وانصرفت ميوله في الغالب الأعم إلى الرياضيات وتقدم الصناعات ودراسة المسائل الاجتماعية والاستعمارية، فانه لم يخل قط من الاهتمام بالفن وإن كان تذوقه للتصوير لم يكن بالغا، ورأيه في الموسيقى أقرب إلى القائل إنها (ضوضاء كبيرة النفقة). وأما الأدب فكان اكثر متعة به. وهو على كل حال من مدمني القراءة والاطلاع، وثقافته واسعة، وشوقه إلى المعرفة متنبه على الدوام. ولا نقول أنه كان يطرق آفاق التأليف الأدبية مستكشفا، وإنما كان يحب الوقوف على ما يشغل الناس من المؤلفات ويهتم بمن يأتي بين المؤلفين بالجديد. وهو من أول المشتركين في مجلة (مركير دفرانس) الأدبية لأول إنشائها وجنوحها وقتئذ في الأدب إلى