لعل علوم البلاغة أقل علوم العربية نصيبا من جهود الباحثين المعاصرين، ولعلها كذلك أحوج هذه العلوم إلى التجديد والتهذيب ولكننا نستطيع أن نقول - في غير غض من عمل أحد -: إن الأبحاث التي طالعنا بها هذا العصر في العلوم دون ما كنا نأمل من علمائه الأعلام
ولقد شاع في رسائل المعاصرين النعي على علماء البلاغة، ورميهم بالجهل والتقصير أحيانا، وهذه طريق لا تؤدي إلى الغاية. ولو أنهم إذ هدموا بنوا لكان الأمل قويا في أن نظفر بشيء. ومن حق أسلافنا علينا أن نذود عنهم، وندفع ما يلحق بهم من ظلم وجحود.
قرأت رسالة صغيرة للأستاذ الشيخ (أمين الخولي) المدرس بجامعة فؤاد الأول عنوانها (البلاغة وعلم النفس). تحدث فيها عن صلة قديمة بين الأبحاث البلاغية ومظاهر النفس الإنسانية، ولكنه نعى على الأسلاف انهم لم يربطوا بينهما على أن علم النفس علم من العلوم (مع انه كان من معارفهم) ورأى أن هذا الربط في الدرس وفي غير الدرس ضروري، بل هو ضروري لفهم إعجاز القران وتفسيره حيث يقول (فالنظر الصائب إليه - يعني القران - والفهم الصحيح له، أو بعبارة أكثر صراحة تفسيره لا يقوم إلا على إدراك ما استخدمه من ظواهر نفسية، ونواميس روحية، فليس يصح أن تعلل عبارة من عباراته، أو يحتج للفظ في أية من آياته، أو يستشهد لأسلوب من أساليبه إلا بموقعه كله في النفس، وبما كشف العلم عن هذا الموقع، وما سير من أغواره فبالأمور النفسية لا غير (كذا) يعلل إيجازه وإطنابه، وتوكيده وإشارته، وإجماله وتفصيله، وتكراره واطالته، وتقسيمه وتفصيله، وترتيبه ومناسباته، وما قام من تعليل هذه الأشياء وغيرها (كذا أيضا) على ذلك الأصل فهو الدقيق المنضبط، وما جاوز ذلك فهو الادعاء والتمحل أو هو أشبه شيء به)
ونحن إذا طرحنا جانبا مناقضة الأستاذ لنفسه بين محاولته تعليل إعجاز القران، وبين إصراره على أن خير الآراء في الإعجاز هو رأي السكاكي وجملته أن الإعجاز لا يعلل. إذا طرحنا هذا وجدنا الأستاذ انساق وراء الفكرة التي سيطرت على قلمه، ولكننا مع ذلك