ننتظر حتى نرى مبلغ صدق هذا من الأبحاث التي وعد بها الكاتب وقد مر عليه دهر ولم يطالبنا بها وان كنا نجزم بأن دعواه أن كل تعليل لأسلوب القران لا يقوم على أساس نفسي ادعاء وتمحل نجزم بان هذه مبالغة لا تمت إلى الصواب بصلة.
ونترك هذه الدعاوى وأمثالها إلى حين يؤيدها بأمثاله لنرد على هذين المثالين الوحيدين اللذين اعتمد عليهما في رسالته، وادعى فيهما أن القدامى وقفوا عند تعليلات جافة ركيكة، ولم ينظروا فيهما إلى الأمر النفسي قط. وسنرى أن ما وصمهم به ليس صحيحا، وان ما ذكر أنه وصل إليه هو الذي ذكره علماؤنا الإجلاء قال:(نحن نقرأ مثلا في بيان ميزة الأسلوب المعروف عندهم باسم تأكيد المدح بما يشبه الذم قولهم: إن سبب ذلك أن هذا الأسلوب كدعوى الشيء ببينة، ويفسرون ذلك بأن القائل علق نقيض المدعى وهو إثبات شيء من العيب بالمحال، والمعلق بالمحال محال فعدم العيب محقق. كما نقرأ لهم وجها أخر لميزة هذا الأسلوب هو: أن الأصل في مطلق الاستثناء الاتصال فذكر أداته قبل ذكر المستثنى منه يوهم إخراج شيء مما قبلها فإذا ما أو ليت الأداة صفة مدح وتحول الاستثناء من الاتصال إلى الانقطاع جاء التأكيد لما فيه من المدح والأشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها
ولعل السر النفسي لذلك فيما يظهر هو ما في هذا الأسلوب من معنى المباغتة والمفاجأة التي تكسبه طرافة وتثير حوله تنبها)
والذي نلاحظه هنا أمور: -
(١) أن التعليل الأول أحد تعليلات لهم ويمكن إرجاعه إلى أمر نفسي، بل هو في الحقيقة من أخص أمور النفس، فهو فكر مرتب، ومنطق محكم، وليس شيئا ما رده به من أنه يترتب عليه أن (عبارة التوثيقات المؤكدة ولغة الإشهادات المسهبة هي الفصحى وأظن أن الفرق بين الاثنين واضح، والمغلطة بينهما أو ضح.
(٢) أن المفاجأة التي تمدح بأنه وصل إليها إنما مأتاها انقطاع الاستثناء وذلك أن النفس حين تسمع أو ل الكلام تنتظر أن يجيء أخره أليفا لأوله ويستقر فيها اطمئنان لذلك فإذا انقطع الاستثناء فوجئت بما لا تتوقعه.
(٣) أنهم ذكروا لهذا علة نفسية؛ قال في المطول بعد أن ذكر التعليلين السابقين (مع ما فيه