للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

من صور الحياة - قصة واقعية

ظمأ الروح

(مهداة إلى:

للأستاذ عبد الحليم عباسي

كان فتى خيالي النزعة، أغرته هذه الأفكار السوداوية، فاندفع فيها، لا يرى أن الحياة تتسع لغير هذا الشقاء يعلق بها من مفتتحها إلى حيث الحد بين الدنيا والآخرة، ومضى تعبث الكآبة بناضر شبابه، إلى أن غدا وهو في ميعة العمر. ناحل القد، حائل اللون، رطب الجفن كأنما علق به أثر من أدمع البارحة. . وإذا ما أصغيت إليه وهو يتحدث أسرتك هذه الغنة في صوته، وهذا العمق في أفكاره، ورحت تعجب كيف يستطيع هذا الظل حمل كل هذه الشجون؟.

عرفته في بلدة الجمال - الشام - فقامت بيننا صداقة موثقة العقد، متينة الأواصر، يشوبها الإجلال من جانبي، والرثاء من جانبه، فقد كنت في نظره واحداً من هذه الملايين التي تتعثر بآمالها، وتتمرمر بأمانيها، وغبرنا على هذا زمناً إلى أن فرقت بيننا دواعي الحياة، وبقي خالداً في فكري، خالداً في روحي، ومضت سنون لم نتلاق فيها، إلى أن جاءتني منه هذه الرسالة أثبتها للقارئ، ففيها قصة طريفة:

يا صديقي:

ما كنت أظن أن كلامك يكون جداً وأنت تهزل، فلقد اعترضتني هذه - الجنية - التي شد ما حدثتني عنها، واستطاعت أن تلامس حياتي بعصا سحرها، فتغير منها. . ثم تمر بأناملها الجميلة على أجفاني فأغدو أبصر وأرى أن هذا الوجود ينطوي على أشياء كثيرة جميلة.

. . . وتفصيل الخبر أني هبطت هذا البلد، وشدتني إليه ضرورات لا أستطيع الإفلات منها، ومرت الأيام والشهور متشاكلة متشابهة، وقد كنت لا أزال أسدر في كآبتي، وأتخبط في مآتي أشجاني، حتى كان يوم اللقيا بهذه الساحرة، فكأنما بعثت خلقاً جديداً، واستطاعت

<<  <  ج:
ص:  >  >>