أن تنقي حياتي من كل هذه الأفكار الشائكة. . . فلقد كانت تكبرني بأعوام، وكانت تكبرني بهذه الأفكار نقتها التجارب وأخلصتها من كل خطل، وشاء الدهر الساخر أن يكون بين أبي وزوجها علاقة. . . وزوجها هذا - غفر الله له - ليس له ميزة من علم أو جاه.
غير هذا الجاه الرخيص الذي تبعثه المادة، وهو يجمع بعد إلى قبح الجهل، دمامة الشكل، وسمح لي أن أتردد إلى بيته، وراقه أن يجد أن زياراتي تبعث في زوجه روح الغبطة والسرور، فينضر فرعها الذابل، وتدب الحياة في روحها الرازح تحت هذا الألم الحبيس الذي يعج في صدرها. . . وكأنه كان يشعر أن بينه وبينها عدا فارق العمر، تبايناً في الروح والفكر. .
وكنت أشعر وأنا أتردد إليها أني أقاد إلى الهاوية، فهذا الصوت الهادئ المتزن، يعيد إليك ذكرى لذة غابرة، وهذه العين غرقى في صفائها تغازل النور، محال أن يقوى على ندائها روح يتعشق الجمال. . . ولقد كنت قادراً على أن أكتمها حبي، وما حاجتي إلى الإفضاء به، وأنا لا أطلب أكثر من أن أجلس إليها ساعات ترفه عن روحي، وتغذي مشاعري، غير أنا في إحدى جلساتنا، وقد تشعب بنا الحديث، وأخذت علينا الغبطة يقظات الإرادة، سمعت صرخات روحي في داخل البدن. . . أنني في حاجة إلى الامتزاج بها، إلى الفناء في ذاتها، وكأنها أحست بما أحسست به فالتحمنا بالنظر. وقالت عينها، لا حاجة إلى الثورة - إني أحبك - فأجابت روحي من عيني - وأنا أحبك - ولكن عينها عادت فقالت إني احتقر ملذات البدن، فلا تطمع بها، فقلت وأنا أحتقرها، لقد مللتها، إن روحي هي الصادية.
وفي تلك الجلسة أعلنت لها حبي، وباحت لي بمثله. . . . .
ومن ذلك الحين، أصبحت لا أقوى على فراقها، ولا أطيق الابتعاد عنها دقيقة، ولقد تعاظم أو تضاءل الوجود - لا أدري - فأصبحت هي كل شئ فيه، واستقر حبها في أعماقي ناراً، فغدوت بجانبها أحترق.
ومرت الأيام مفعمة بالهناءة، فكنا نلتقي كل يوم، لا أرتوي من هذه الكلمات تند عن هذه الشفاه الجميلة، ولاأشبع من النظر إلى هذا المحيا الذي يبعث إليك في كل لمحة فكرة تحمل معاني الرضى عن الحياة. . .
وأشهد أن جمالها أدناني كثيراً من حمى الله. . وارتفع بنفسي إلى عالم أندى من عالمنا