يقول بول فاليري في معرض الكلام عن قصيدته (المقبرة البحرية) إنه ليس من حق الشاعر أن يفرض على قارئه معنى خاصاً لقصيدته ولا أن يفسرها له. فالشاعر قد فسر شعوره في أبياته فما معنى تفسير هذه الأبيات بعد ذلك؟ إن التفسير لا يكون إلا في حالة العجز والقصور. فلكل قارئ أن يستخلص ما يشاء إلا إذا كان ممن عناهم المتنبي بقوله: -
ومن يك ذا فم مرٍ مَرِيض ... يجد مُراً به الماء الزُّلالا
فالشاعر قيثارة تستنطقها الطبيعة ألحاناً تختلف النفوس في تلقي موحياتها وتفسير معانيها؛ والنفس الإنسانية أوسع وأرحب من أن يحدها تفسير. وما يجهله الإنسان من نفسه ومما حوله أكثر مما يعرفه معرفة اليقين. والفن رسالة توحيها النفس الباطنة أكثر مما توحيها النفس الواعية. والنفس الباطنة كثيراً ما تلغز وترمز دون أن توضح
وكان الموسيقي الكبير (رافيل) يقول: ليس هناك (فنون) بل هناك (فن)، فن واحد يبدو طوراً ألحاناً خالصة، وطوراً كلمات منظومة، وطوراً خطوطاً وألواناً، صور مختلفة تعبر فيها الروح القوية عن مشاعرها واحساساتها - ومن هنا ترى أن ما قاله بول فاليري عن الشاعر ينطبق تماماً على الفنان. ولما كنت أعتقد أن الفن تعبير قبل كل شيء، فقد ذهبت إلى معرض الصور وأنا أقول لنفسي:(انتبه. تبين أي الصور ستوجه نفسك إلى نواحي جديدة في الحياة لم تسعفك تجاربك بتمليها؟ وأي الصور ستجدد وتعمق إحساساتك بما عرفته وحبرته. .)
يتفاوت مستوى الإجادة الفنية بين العارضين تفاوتاً كبيراً؛ فإلى جانب الصور القوية الناضجة نجد صوراً تذكرنا بما كنا نلقاه في كتب المطالعة الابتدائية من صور؛ ولا ندري كيف تسربت هذه إلى المعرض. ونسبة العارضين من الطلبة كبيرة جداً. وقد راعنا فقدان الروح الفنية بينهم تماماً. والفنان كالشاعر يولد ولا يصنع. ومدارس هؤلاء تعلمهم إتقان الرسم والتعبير، ولكن التعبير عن ماذا؟؟ هذا ما نحب أن نسأل عنه فناني الجيل المقبل. . وأغلب من حادثتهم من العارضين لا يهتمون إلا بطريقتهم في رسم الصورة. وهذا قصور بارز، ولعله أكبر آفة تحل ببعض الفنانين المعروفين. فكل يريد أن يكون زعيم مدرسة