للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وصاحب طريقة خاصة يعرف بها وتنسب إليه. وهذا جميل ومعقول بشرط أن يكون تلقائياً ويتطلبه مثل الفنان الأعلى ومنزعه. وأما أن يركب الفنان الشطط لا لغاية أكثر من الشهرة والاختلاف عن غيره، فهذا ما لا يرضاه الفن. فلست أدري ما الذي يدعو الأستاذ راغب عياد مثلاً إلى أن يقصر فنه على دراسة الأسواق وما شاكلها من نواحي الحياة المصرية التي سيأتي عليها الزمن بعد حين. قيل لنا إن عياداً يود أن يخلق فناً محلياً. وهذه رغبة نبيلة دون شك، ولكن الفن المحلي الذي يموت لتوه إذا نقل إلى بلد آخر، غير جدير باسم الفن. ومحلية الفن لا تتنافى مع عالميته. فالفن الإغريقي القديم له مميزات خاصة (وكذا المصري القديم والإيطالي في عهد النهضة) تمليها البيئة التي نشأ فيها، ولكن هذا لم يمنعه من أن يكون فناً عالمياً يدرس ويستوحي في كل مكان

ويظهر أننا نخطئ فهم كلمة (محلي) كثيراً. فالفنان عالمي الذات بطبعه وروحه؛ والفن القوي يحقق شرطين: (١) القدرة على البقاء والاستمرار (٢) العالمية. ولكن عندما يعمد الفنان إلى رسم رقصات روحه وهمسات نفسه مضطر إلى أن يختار لها أشكالاً وألواناً مما حوله أي من البيئة التي يعيش فيها. وكذا (روح العصر) تدفع الفنان إلى أن يبرز ويؤكد بعض نواحي الحياة ويترك بعضها. فهو يبين لنا تفاعله مع عصره بتوجيه الأنظار إلى ما هو خافٍ، وتشنيع ما هو مستهجن، وتمجيد كل ما هو نبيل، وهكذا. ولكن عناصر الحياة هي هي في كل زمان ومكان. والبيئة والعصر عاملان لا يكتمل فن بدونهما، ولكن جوهر الفن واحد في كل زمان ومكان

وحسبنا بعد ذلك أن نذكر أهم الفنانين:

لا مراء في أن الأستاذ محمود بك سعيد أبرز العارضين وأعمقهم شاعرية وإحساساً، وفنه يفرض نفسه عليك فرضاً: فن ممتلئ قوة ودماً، ورسوم تكاد من فرط حيويتها تترك لوحاتها وتشارك الأحياء حركة وكلاماً. والفنان يشعرك أنه يحب الحياة حباً لا نهاية له، ويمجد جمالها تمجيداً تقصر عنه الكلمات وتقربه الألوان إلى النفس بعض الشيء، وألوانه القوية تقول لك إنه يعتقد أن الحياة جميلة غنية محببة عميقة لا تعرف نفسه سبيلاً إلى الارتواء والاكتفاء مهما عب من معينها. وتجتمع عند الأستاذ سعيد خواص قلما تجتمع عند غيره، أهمها التوفيق بين التعبير العاطفي القوي مع محاكاة الطبيعة. وفنه خير مثال للتعريف

<<  <  ج:
ص:  >  >>