للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النصاح والوعاظ على أبواب الخلفاء]

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

الحكم في الإسلام لم يبن على الاستبداد ولم يقم على الانفراد، بل أقيم على الشورى وبنى على الرأي. ولقد قال تعالى لنبيه عليه السلام: (وشاورهم في الأمر). وما كان أغنى النبي عن نصح الناصح ومشورة المشير، لمكان فضله، ومقام علمه. ولكن المبادئ الصحيحة لا تحابي مقاماً ولا مكاناً، ولا تعرف عصراً ولازماناً

فلقد حدث حماد بن زيد بن هشام عن الحسن قال: (كان النبي يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء فيأخذ به)

وكان عمر على شدته ينتفع بأهل الرأي والمشورة ويستمع إلى قولهم، وروى عنه قوله (الرأي الفرد كالخيط السحيل، والرأيان كالخيطين المبرمين، والثلاثة خيط مرار لا يكاد ينتقض) وطبيعي أن حكاما ذلك شأنهم في قبول المشورة وتلقي الرأي كانوا يستمعون إلى الناصح المبتدئ بنصحه، المتفضل برأيه، فيفتحون له قلوبهم وآذانهم، أو يعطونه الأمان أن يقول ما يشاء في صراحة وحرية. وفي كتب التاريخ والأدب من ذلك طرائف وأشتات

وكان خلفاء الرسول أكثر الناس اهتداء بهديه واقتداء به فلم يصدر عنهم من الأحكام ما فيه مخالفة لسنته وحيد عن طريقته. ولهذا لا تجد على أبوابهم مزدحماً من الناصحين والوعاظ، لأن الوعظ لا يكون إلا عند ما تدعو إليه الحاجة وتشتد الضرورة. وقل أن تجد في عصر الخلفاء الراشدين إلا مذكراً يذكر الخليفة في عبارة موجزة وإشارة قصيرة. كما حدث لعمر ابن الخطاب فقد دخل عليه سعد بن عامر وقال: (إني موصيك بكلمة من جوامع الإسلام ومعالمه. قال: أجل. قال: اخش الله في الناس ولا تخش الناس في الله، ولا يخالف قولك فعلك. فإن خير القول ما صدقه الفعل. وأحبب لقريب المسلمين وبعيدهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك. وخص العناية بالحق حيث علمته، ولا تخف في الله لومة لائم)

ولقد كان عمر يصغي إلى نصح الناصح، ولقد يبلغ به التأثر حتى يبكي فتخضل لحيته كما صنع مع خولة بنت حكيم

أما في العصر الأموي فنجد الخلافة قد انقلبت ملكاً. ونجد الخلفاء قد صدر عنهم من الأعمال ما يعده المؤمنون بعداً عن السنة، وتجافياً عن المعالم. وهنا يكثر الوعظ ويفشو

<<  <  ج:
ص:  >  >>