للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سير أعلامه:]

مِلتن. . .

(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية

والخيال. . .)

للأستاذ محمود الخفيف

- ٨ -

إشارة في هورتون:

كان كل هذا العناء وكل هذا الكدح من اجل الشعر، فالشعر كان في قرارة نفسه لو حاول بكل ما في وسعه ألا يكون شاعرا ما استطاع. وهو يعتقد أن الله سواه ليكون شاعرا، ولذلك فهو يعلى قدر رسالته ويجعل لها شبه ما للرسالات الإلهية من سمو وخطر؛ فلا يقتصر على طلب الحكمة والوقوف على ما هو بسبب من تلك الرسالة والإفادة منه، بل يتطهر إلى جانب ذلك فينقى نفسه من كل شائبة ليكون لرسالته أهلا وليتنزل عليه نورها. ثم إنه يستغرق في حال صوفية يعدها كذلك من مكونات الشاعرية فيتقرب إلى الله ويبتهل إليه، لأنه يؤمن أن وحي الشعر يهبط من الله، يوضح ذلك قوله: (إن مثل هذا لن يصل إليه المرء إلا بالصلاة والقنوت لتلك الروح السرمدية، لله الذي يؤتي الحكمة ويهب البلاغة فيغني بهما الأنفس، ويرسل رسله بالنار المقدسة من لدن عرشه فيظهر بها روح من يشاء من عباده. ويجب أن يكون مع الصلاة قراءة مختارة في جد متصل، يصحبها تدبر يقظ، وتعمق للأعمال والمسائل ما هو خير منها وما يبدو كأنه خير. ولقد وصف ملتن مدة إقامته هذه في هورتون بقوله: (إنها سنوات كثيرة مليئة بالدراسة والتفكير، قضيت كلها في البحث عن المعرفة الدينية والمدنية).

وحق لاصحابه أن يعجبوا من صبره على المقام في الريف، وزهده في مباهج المدينة. وعجب حتى (ديوداني) من ذلك فكتب إليه يسأله عما هو فيه، فرد عليه ملتن قائلا: (لقد طالما تساءلت عما أنا في شغل به، وفيم أفكر، فاعلم أن ذلك بمعونة الله هو الخلود. وأرجو

<<  <  ج:
ص:  >  >>