على مقطع من مقاطع الزمن الذي يبنيني، أقف مستدبراً مواكب الحياة الحاضرة، لأستعرض هذه العقود الثلاثة التي كونت جسمي ذرة ذرة، وملأت رئتي شهقة وأفرغتها زفرة، وسلسلت عقلي فكرة فكرة!
وأريد في وقفتي هذه أن يكون في روحي غيبوبة وامتداد، وفي ذاكرتي صحو واجتماع، وفي قلبي حنين واهتياج، وفي عقلي سكون وإدراك، وفي جسمي صحة ووقود، وفي قلمي حساسية وبيان. . . فإن الصور التي ارصدها مخبوءة في ركام من أيامي البالية التي لبستها أمام الشمس والقمر فطبعاها بالخاتمين (الأبيض والأسود) ثم نضوتها ومعها بسمة أو دمعة أو فكرة أو ذكرى، أو قطعة من قلبي أو هزة من جسمي في غرارة الطفولة أو ضحوة الصبا أو فوعة الشباب الذي يوشك أن يمضي به ما أشاب الصغير أفنى الكبير من كرّ الغداة ومرّ العشى. .!
أمسى! يا وادي الظلال الساكنة من حياتنا العاملة الناصبة. أنا الآن في حركة أدبار وارتداد إليك، في ساعة ليس لي فيها حاضر راهن يشغلني، ولا أمل غائب يغازلني، واقف فيك على أطلالي! ابحث فيها عن صور عيني ولها فيك ظلال، وأنغام أذني، ومنها بك أصداء. . بل أني لأبحث عن سري وميراثي من عهد آدم حادراً في الأصلاب متنقلا في الأحقاب في عالم غيبي ومشهدي!
فمن لي بما يروي لي ما بين مبتداي ويومي هذا. .؟ إنها شقة بعيدة احسب أنها تعي تهاويل الخيال المسعد!
وقد قالت (الفسلجة): إني صورة تتجدد فيها خلايا جسمي كل سبع سنين. . . فلست أنا الجسم الأول ولا الثاني ولا الثالث ولا الرابع. . . وليس في بقية منها، فإذا بحثت عن أجزائي التي ماتت وأبعاضي التي غيبت، فلن أجدها إلا في ذلك الجسم العظيم الذي أنا خلية منه: الأرض. ويالها من تيهٍ لمن يبحث!
إذاً يا روحي، أنت (المكان) الذي يمكن أن ابحث فيه عني: سراً كامناً في عالم الغيب، ثم نواةً فعقدةً فَلبّاً فثمرةً مدركة. فافسحي لي من شأنك العظيم واحرقي بخوراً يعد لي جواً