للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعيش فيه ساعة الذكرى!

ودخلت قدس الروح المعطر، ومعي ذلك (الصندوق العجيب) جمجمتي! أتحسس الشعاع الأول الهادي إلى مفتاح حياتي، فلم أرَ ولكني سمعت نجوى تقول:

(حينما طلبت شعلة الحياة حطباً جديداً قبل ثلاثين سنة، دفع بك وأنت (لاشيء) في غيبوبة الأزل على حبل نسل تناهي إليك من أبيك عن أبيه عن. . . آدم في صف كبير مع لداتك الذين أتى دورهم في الاحتراق. . . فانعقدت البذرة وتخلقت وركبت الذات ووضعت الذرة الصغيرة التي فيها كل ميراث آدم، واتصلت بها الشرارة الخفيفة المجهولة فدار قلبك الصغير فأضاف بنبضه صوتاً إلى ضوضاء الحياة. . وبحركته دفعاً إلى موكبها. . وبحرارته جمرةً في شعلتها. . . فاختلج آدم فَمَن والاه على السلسلة التي بينك وبينه، فرحاً بالامتداد والخلود. . واستبقت الملائكة والشياطين إلى احتلال الأمكنة فيك استعداداً للمعركة المقبلة. . . وعششت في قلبك الغربان والخفافيش السود، والحمامات البيض شأنها على كل غصن. . . وطارت عليك الذرات الجامدة التائهة لتكون لبناتٍ حيةً في البناء الجديد.

ثم فصلت عن المستودع التي التقى فيه أزلك وأبدك، وخرجت في موكب الربيع في أبريل سنة ١٩٠٧ مع أوراقه وأزهاره وأغصانه وأفراخه. . كتلةً لحمية عمياء بكماء صماء. . فأسرع جو الأرض إلى رئتيك المختلجتين في ارتباك وسرعة لتلحقا حركة الحياة بالإحياء، وفتحت الأضواء أجفانك، وكل شعاع يريد أن يكون بشير النور ورسالة الشمس أم الحياة إلى (عدستك) الجديدة.

وكان أول صوت اقتحم أذنيك من ضجة الحياة، صوت الآلام. . آلام تكاليف الحياة وحمل أمانتها الفادحة التي عرضت (على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان). . . صوت أمك. .

وبكيت من ازدحام هذه العوامل على جسمك الرقيق الغريب بينها فأذاقوا فاك لذته فسكت. . . وكان هذا أول درس عرفته من منطق أهل الأرض مع المزعجين.!

ثم عاشت هذه الكتلة طفيلية في حياة كحياة النبات، وفي فراغ كفراغ النائم ومضت الدنيا تدور كل يوم حول (صندوقها العجيب) فتدخل إليه على شعاع أو صوت أو طعم أو لمس لتثبت وجودها فيه أو لتخلق فيه خلقاً آخر على الأصح (والأكوان عداد العقول) كما يقول

<<  <  ج:
ص:  >  >>