وتفاعلت أشياء الدنيا مع أشياء القلب فأخذ الشخص الكامِن يبدو ويمتد فكل ذرة تلد وكل معنى يتركب من هذه الأبجدية وظهرت بعض النسب بين الأشياء، واشرأبت الأشياء إلى براهين وجودها. .
فقلت لصوت النجوى: أكانت الدنيا عدما قبلي؟!
فأجاب: قالت بعض الفلسفات: الدنيا فكرة!
قلت: لا! بدون برهان. . .
قال الصوت: أنت وأخوك قد خرجتما من مستقر واحد بجسمين مختلفين قد تقمصتك روح وتقمصته أخرى. أفرأيت لو خالف بينك وبينه فكنت إياه وكان إياك؛ أفلا كان العالم غير ما هو الآن عندك وعنده وعند الناس؟
فتأملت ولم أعط الجواب للآن.!
ثم أنقطع الصوت وابتدأت أرى في الجمجمة خيوط ضوء على حواء وآدم في شخصي ألام والاب، واسمع منها أهازيج الجنة وأصوات ولدانها في أصوات لداتي وأترابي بملاعب الطفولة، وأرى قطعة من سماء القاهرة والشمس فيها والقمر، فوق المكان الذي تيقظت فيه من الغيبوبة والذهول: حارة الروم. . . سقاها الحيا، فوقفت أبحث عن الطفل الصغير وضعفه وجهله وبراءته وفراغه وثيابه وحلواه وحيوانه وصورته التي كان يتعجب منها كثيراً. . . فوجدتها أشياء لا تزال تضحك كما كانت. . . وأنا أبكي بعلمي وأنوء بقوتي، وانفجر بامتلائي وأجن بيقظتي. .
ففتحت لها قلبي فكادت تنكره وتختنق بما فيه.
وقلت يا حمراء هل رجعة! ... قلت وهل يرجع ما فاتا!
ثم جاء العهد الذي رأيت فيه الدنيا في شخص المعلم لها عصا تلوح لي بها إلى الحق والواجب، والنفس والغير، وتشير بها إلى الأمام. . . إلى الغاية. . . إلى الرجولة، ثم تصلصل بالقيود حين يصلصل الجرس. . .
فصحوت لأعلام الطريق واستيقظت لصحبة ذلك الشخص الغامض المبهم الذي أبتدأ يضايقني بندائه، ويشغلني بأشيائه. . . أنا! فتمنيت وتخليت وتشبهت وجاء الأمل والعمل،