لعل هذه ثالث مرة أكتب فيها عما وقع عليه منظاري في الترام مما
يصور أخلاق بعض الناس في مجتمعنا الواسع، والترام لا تنس أيها
القارئ مجتمع له خطره. وإن عجبت لهذا التعبير فأخطر ببالك مبلغ ما
تمتلئ به طيلة النهار وساعات من الليل تلك المركبة من أنماط الناس
مرات كثيرة متتابعة.
وما اتخذت موضعاً لي يوماً بين هؤلاء الناس إلا وقع منظاري على ما لا أحب أن يقع عليه، ولو أني رحت أحدثك كل يوم بما أرى لجئتك كل يوم بالطريف، بل ولحملتك على أن تستزيدني إن سكت.
وماذا عسى أن أعرض عليك اليوم مما شاهدت والمجال لا يتسع له كله وليس فيه ما أحب أن أدعه، وما أعرض عليك ما أعرض محبة في نشر ما يعاب وإنما أشهر بما يعاب بغية القضاء عليه. . .
هذان يافعان من أبناء مدارسنا يكلم كلاهما صاحبه وكأنه يتعمد أن يسمع الراكبين جميعاً، وليت العيب قاصراً على ما يحدث كلاهما من ضجة مكروهة، بل إنهما ليتحدثان في غير تحفظ عن أمور أحسب أن الحديث فيها مما يوجب الخجل لو جرى بينهما على انفراد، دع عنك ما ينعت به كل منهما صاحبه من الألفاظ التي نستطيع صدورها من السوقة إذا عظمت بينهم جلبة المزاح، أو إذا استحرَّ بينهم بالأيدي والألسن القتال. . . وما أرى على وجه من هذين الوجهين أي شعور بأنهما تقع عليهما أعين الناس.
ودع هذين إلى ذلك الذي يتحدث إلى جيرانه عن إحدى القضايا فيذكر أسماء معروفة ويعقب على كل أسم بما يشاء له أدبه من قاذع السباب في غير تحرج ولا مبالاة.
ثم ما فصيلة هذا (الإنسان) الذي جعل يحملق في فتاة أمامه من بنات المدارس لا يكاد يتحول نظره عنها وإنما يتحرك بصره إذ يتحرك صاعداً من طرفي قدميها إلى قمة رأسها فيستقر بعض الوقت في مواضع معينة، ثم يهبط إلى أسفل من جديد متوقفاً عند كواضع