للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الاستقرار حتى يعود إلى حيث بدأ ليصعد من جديد، وهكذا دواليك دون أن يفطن هذا الأفندي إلى ما يكاد يزهق روحها من ضيق وارتباك.

وما هذا الذي راح يقضم اللب ويلقي بقشره في سرعة فيقع على ملابس من هم حوله في غير وعي منه كأنما يفعل ذلك في حجرته الخاصة؛ فإذا فرغ ما في يده دسها في جيب سرواله فعادت ممتلئة، ودار فكاه فألقيا بالقشر تباعاً كأنهما تلك الآلة التي تفصل القمح حبه عن تبنه في الأجران.

وماذا يريد ذلك (البارد) الذي يطيل النظر إلى ملابس من هم أمامه، كأنما يتفرج على معروضات الأزياء في إحدى (الفترينات). يفحص ببصره أربطة الرقبة والقمصان والحلل ولا يتحول بعينيه عنك مهما أبديت له بنظراتك من دهش أو استنكار!!

على أن هؤلاء جميعاً أهون شراً وأقل خطورة من ذلك الذي جلس في طرف المقعد إلى اليسار وأخذ يبصق كل بضع ثوان بصقة لا يبالي على أنف من ولا على عين من وقع رشاشها العذب الذي ينثره الهواء على من خلفه، كأنما يتحتم على راكب الترام أن يلبس قناعاً من الأقنعة الواقية. . .

ومثل ذلك الظريف هذا الذي يتحرك لينزل فيطأ بنعله وجه نعلك، أو يفزع بيده طربوشك فما تدري إلا وقد طار عن رأسك، أو يتحاشى الانزلاق إذ يقرب من السلم فتستقر لطمة منه على عينيك أو خدك أو أنفك بحيث لو سددها إليك من يتعمد ذلك - لا قدر الله - ما جاءت محكمة كما تجيء من يد ذلك الذي يمر بك أثناء نزوله من الترام، وإنه ليقع منه ذلك فلا يلتفت إليك بكلمة اعتذار أو بنظرة أسف! وسبحان الذي سوى الجبلات.

ودع عنك غير من ذكر (المتشعبطين) على السلم والمتحاربين مع (الكمساري) من أجل مليم مشكوك في أمره، أو على الأكثر من أجل قرش زائف، دع عنك هؤلاء فالأمر محصور بينهم وبين (الكمساري) إلا إذا نفخ هذا في زمارته فأوقف الترام وأخذ الجميع بذنب صفيق أو صفيقين.

أقسم لك أن ذلك كله حدث في الترام في وقت معاً، فإن لم تصدقني بعد هذا القسم فليس لدي شك في أنك لم تركب هذه المركبة.

الخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>