للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أفانين]

أبو النجم الرجاز وهشام بن عبد الملك

للأستاذ علي الجندي

في عصر بني أمية لعمت ثلاثة مت الرُّجاز، زاحموا الشعراء بالمناكب على أبواب الخلفاء والولاة، وقاسموهم جزيل الصَّلات وسنيّ الهبات، بل أكرهوهم على أن ينظروا إليهم بعين الجلّة والإكبار، ويروا فيهم منافسين يُخشى بأسهم، وترهب صولتهم، فاضطروا إلى مجاراتهم في هذا الفن الناهض، ليفوزوا بالحسنيّين، فكان جرير والفرزدق من الشعراء الرجاز

هؤلاء الثلاثة الذين سمْوا بالرجز من الحضيض إلى الذروة، واستنفذوا أهله من الخمول والضّعة: هم: العجّاج التميمي وابنه رُؤبة، وأبو النجم العِجْلي، وفيهم يقول أبو عبيدة: ما زالت الشعراء تقصر بالرجاز حتى أبو النجم:

الحمد لله العلي لأجلل

وقال العجاج: قد جبر الدين الإله فجُبرْ

وقال رؤبة: وقاتم الأعماق خاوي المخترق

فانتصفوا منهم!

لم يكن للرجز في الجاهلية نباهة شأن، فقد كان البدوي يصوغ منه بضعة مشطورات في الحرب والمفاخرة والسَّباب، أو يرسها في غرض تافه كوصف ظبي أو ظلم أو ثور وحشي، حتى جاء شيخ الرجاز وأرصنهم قولاً: الأغلب العجلي من المخضرمين؟ فأطاله قليلاً على عهد الرسالة، فكان مثله في الرجاز مثل المهلهل التغلبي في الشعراء

ولكن في هذا العهد - عهد بني أمية - وثب الرجز وثبة قوية موفقة، فبارى الشعر في جُلّ خصائصه كما بارته الرسائل الأدبية في أواسط العصر العباسي، فاستعمل في المدح والهجاء والفخر والرثاء، وذكر الديار والظعائن، والوقوف على الأطلال والرسوم والدَّمن، وبكاء الشباب ووصف الرحلة إلى الممدوح، والتمهيد بالنسيب، والتخلص منه إلى المدح والذم إلى غير ذلك من أغراض الشعر الصميمة

وحسبك فيما بلغه الرجز من رفيع المنزلة، قول المنتجع لرجل من الأشراف: ما علمت

<<  <  ج:
ص:  >  >>