يضطرم الشرق الأقصى كما تضطرم أوربا ويضرم شرق أفريقية بحوادث خطيرة سياسة وعسكرية؛ وتتخذ هذه الحوادث لأول وهلة صبغة محلية، وتبدو متفرقة لا تربطها رابطة عامة؛ ولكن هذه النظرة السطحية لا تعبر عن الحقيقة المستترة؛ ذلك أن هذه الحوادث الخطيرة التي تجوزها القارات الثلاث تربطها جميعاً عوامل وظروف مشتركة: فالحرب الإيطالية في شرق أفريقية هي نتيجة لتطورات السياسة الاستعمارية الأوربية، وتوغل اليابان في الأراضي الصينية هو نفثة من نفثات الصراع بين الجنس الأصفر والاستعمار الغربي، ونتيجة لتطورات السياسة الأوربية العامة، وانشغال أوربا بمعاركها السياسية الداخلية، بل إن هذه الحوادث التي تقع في أماكن وأقطار متباعدة تكون في الواقع وحدة متماسكة الاطراف، فهي جميعاً ثمرة تلك الثورة العميقة الجامعة التي تجيش بها السياسة الدولية منذ بضعة أعوام، والتي تسفر عن نتائجها الخطيرة تباعاً في سلسلة من الحوادث متصلة الحلقات برغم تباعدها وتباينها
وفي الشرق الأقصى في سهول الصين الشاسعة، تضطرم بين أوربا وآسيا معركة هائلة، ربما كانت حاسمة في مصاير الجنس الأصفر والاستعمار الأوربي؛ فاليابان التي هي اليوم زعيمة الجنس الأصفر بلا منازع، تتوغل في أقطار الصين الشاسعة تباعاً غير مكترثة بأية مقاومة محلية أو خارجية؛ وقد كانت الصين قبل الفورة اليابانية الأخيرة تعتبر دائماً ميداناً خصباً للاستعمار الغربي؛ ولا تزال الدول الأوربية الكبرى تبسط نفوذها الاقتصادي على مناطق غنية شاسعة في شرق الصين وجنوبها، وهذه الدول تنظر اليوم إلى مركزها في الصين بعين التوجس والجزع؛ بيد أن المعركة الكبرى تنشب في الحقيقة في شمال الصين الشرقي حيث تلتقي اليابان وروسيا وهما العدوتان الخالدتان اللتان يتمثل في صراعهما اليوم صراع الجنسين الأصفر والأبيض؛ وقد وقعت أخيراً في شمال الصين حوادث ومعارك خطيرة تؤذن بأن هذا الصراع يتخذ اليوم صورة حاسمة؛ فاليابان التي غزت منشوريا واحتلتها منذ سنة ١٩٣١، وأقامت فيها إمبراطورية صورية باسم منشوكيو،