للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تتقدم اليوم في الصين صوب الجنوب وصوب الشرق. ونظرة سريعة إلى خريطة الصين ترينا إلى أي حد وصل التوغل الياباني في الصين الوسطى حتى شمل اليوم مقاطعات برمتها في شهيلي وشاهار، وتعدى السور الكبير إلى حدود بكين عاصمة الصين القديمة؛ وقد استطاعت اليابان أخيراً بحركة ضغط عسكرية وسياسية قامت بها أن ترغم الحكومة الوطنية الصينية (حكومة نانكين) على الموافقة على إقامة نظام سياسي وإداري خاص في بعض المناطق الوسطى بحيث تخرج عن نفوذ الحكومة الوطنية وتقع تحت نفوذ السلطات اليابانية؛ بيد أن اليابان لا تلقى أعظم مقاومة في هذه النقطة من الصين، بل يلوح لنا أن الصين ذاتها قد أخذت تذعن أخيراً للأمر الواقع، وترى التقدم الياباني أمراً لا مندوحة عنه ولا سبيل إلى رده؛ وترى الحكومة الوطنية وعلى رأسها الجنرال شانج كاي شك، أن تطور مصاير الصين على هذا النحو خير من بقائها فريسة لمشاريع الاستعمار الغربي؛ أولاً لأن الصين لا تستطيع مقاومة اليابان، وثانياً لأنها تنشد السلام الداخلي، وتطمح إلى إلغاء المعاهدات الأجنبية التي استطاعت الدول بمقتضاها أن تتوغل في شؤونها ومرافقها، وكذلك إلى استعادة سلطانها ونفوذها في منغوليا والتركستان الصينية، حيث يسود النفوذ الروسي، والتبت حيث يسود النفوذ البريطاني، ولا تستطيع الصين أن تطمح إلى تحقيق هذه الآمال ما لم تعتمد على معاونة حليف قوى كاليابان، هذا فضلاً عن أن هناك من الروابط الجنسية والاجتماعية بين اليابان والصين ما يخفف وقع النفوذ الياباني، ويحمل الشعب الصيني على تفضيله على أي نفوذ أجنبي آخر

وإنما يضطرم الصراع الحقيقي في شمال الصين بين اليابان وروسيا. وقد كانت الحرب اليابانية الروسية في سنة ١٩٠٤ عنواناً للصراع بين الجنس الأصفر والجنس الأبيض، وكانت هزيمة روسيا في تلك الحرب فاتحة النصر الحقيقي للجنس الأصفر ومثاراً لمخاوف أوربا والاستعمار الغربي في آسيا؛ ذلك لأنه لأول مرة في التاريخ تنتصر دولة آسيوية لم تنفض عنها بعد غمر الماضي المظلم على دولة أوربية عظمى، وترغم أوربا على الاعتراف بتفوقها العسكري والسياسي؛ بيد أن روسيا استطاعت رغم هزيمتها أن تحتفظ بمعظم أملاكها ومناطق نفوذها في الصين؛ ومع أن اليابان خرجت من تلك الحرب بمغانم استعمارية كبيرة منها استيلاؤها على بورت أرثر، ونصف جزيرة سخالين، والسكة

<<  <  ج:
ص:  >  >>