أهتف بك فتسبق إلى عيني باكية دامية ذليلة، وتتدفق على ذهني ذكريات بعضها شجي يزجي الألم حاداً عنيفا، ويذكي الدم حاراً مستعراً، وبعضها حلو يثمل النفوس بالفخر، ويهز الأعطاف بالإعجاب. .
ولكنك الآن ذليل أيها الشرق! آه لو استطاع هذا القلم الضعيف أن ينفث في نواحيك الإيمان، ويبعث في جوانبك الأمل، لكان سعيداً، أنت يا وطني مهبط الحضارة ومسقط النور، ما في ذلك شك. أنت مجال الأبطال والقوة، ومراد الحكمة والنبوة، ومخرج الدعاة والقادة، هذا حق لا تخلص إليه شبهة، ولا تنصرف إليه ريبة.
ليقل - كبلنج - إن الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان - فلسنا نتوقع من دعاة الاستعمار أقل من هذا. . ولكن الحقيقة تلطم كبلنج وتلزم المكابرين من أمثاله حدود الاقتناع
فان كانت أوربا تفخر بنابليون لأنه عبر الألب وتخطى البرانس، ونلسن لأنه كسب موقعة أو موقعتين، وولنجتن لأنه ذبح مليوناً أو يزيد، فان الشرق ليتية بزغلول لأنه قهر إنجلترا بغير السيف والرمح، وغاندي لأنه هز إنجلترا بغير الحديد والنار، ومصطفى كمال لأنه دوخ في ساح الحرب أصحاب الغازات الخانقة والطائرات المحلقة والمدافع الرشاشة. . .! وإبراهيم لأنه طرق أبواب اليونان مرات وعبث بحبل أولمب مهبط الوحي وملعب الأبطال ومستقر الآلهة!!
وإن كان للغرب أن يفخر بروسو وفولتير وشكسبير وجوت وبيرون، فإن الشرق والعالم يفخر بالأفغاني ومحمد عبده وابن خلدون والمتنبي وفيلسوف المعرة. الشرق غني برجاله قوي بأبطاله، خصب بحضاراته. . . ولكني بعد هذا ومع هذا لا أستطيع إلا الاعتراف بالحق - وليس ينكر الحق إلا الضعاف - والحق أن الشرق كان فتياً فأصابه الكبر، وكان قوياً فأخذه اليأس والخور، وكان عاملاً فجنح إلى الراحة واستراح إلى المسالمة. . . هذا هو المنطق الذي يرضي الله والعقل والناس، والحق إننا نغالي في تقدير ما ضينا ونشغل به عن حاضرنا. وهل أتاك حديث المرأة الصلعاء التي أخطأها الزواج لصلعها فكانت إذا جاءها الخاطب ثم هم بأن ينصرف استوقفته قائلة (ألم تر إلى خالتي إن لها شعراً جميلاً!!)