الشرق محتل كله أو يكاد: تضرب في نواحيه الخيام الدخيلة، وترفرف على سواريه الأعلام الغريبة، وتحلق في سمائه الطائرات الأجنبية. . . وأهل الشرق نيام ضرب عليهم الغفلة وملكهم اليأس واستبد بهم الخور وانشقت بهم العصا.
يا أبناء الشرق! إن أخاف عليكم اليأس أن يدرككم فيشل عقولكم، ويغل أيديكم ويضل هداكم.
أنا أعرف وأعترف أن الغاية بعيدة، وأن السبيل قفر وعر وأن الشرق ضعيف الحول والحيلة، وهذا بعينه ما يلقى في نفسي الجزع ويردني إلى حيرة تشبه أن تكون جنوناً لأني أخاف عليك أيها الشرق أن تلقى عصا لأمل وتغمد سيف العزيمة وترفع الراية البيضاء. . .!
وأخاف عليك ظاهرة أخرى: في الشرق تنشق العصا وتتفرق الكلمة وتشت الوحدة، وتتبدد القوافل في شعاب الجبال فلا تزال كل قافلة تتهادى وحيدة فريدة في الوهاد والنجاد حتى ينال منها الجهد، وتشتبه عليها السبل وتنبت بها الأسباب في صميم الصحراء. .! والعدو على المستشرف يرقب ويغري ويبتسم، حتى إذا ضمن تصدع الشمل وتقطع الأسباب انثنى فهاجم كل قافلة في مواضع الضعف منها، فأطمع الأولى بالرغبة، وقمع الثانية بالرهبة، وأغرى الثالثة بالرابعة. . . حتى يستقيم له الأمر ويخلو له الطريق ويصفو له الجو. أفليس أجمع للكلمة وأضمن للنصر وأحزم للرأي، لو تلافت هذه القوافل كلها في السهل فضمت شتاتها ولمت شعثها ونظمت نفسها في سرب طويل قوي ثم سارت على حداء الأمل وهداية الأيمان. .؟؟
مؤلم هذا الانقسام الذي يشيع في صفوف المجاهدين في بلاد العرب وفي مصر وفي الهند، في الجزيرة ملكان مسلمان يتحاربان وفي مصر أحزاب تتطاحن. وفي الهند طوائف تجور عن السبيل والغاية. والشرقي المخلص الصادق لا يستطيع أن يشهد هذا دون أن يضيق به ويأسف له، ويتمنى على الله أن يكشف عن الشرق هذا البلاء. . .
أيها الشرق. . . أحب أن أعتقد أن سكونك تحفز الأسد قبل أن يقفز، وأحب أن أسمع أن صمتك استقرار العاصفة قبل أن تزأر وتثور وتدوي، وأحب أن لو كان سيرك تسلسل