للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دراسات في الأدب الإنكليزي]

جون ملتون

للأستاذ خليل جمعة الطوال

تمهيد

لقد كانت إنكلترا قبل الحكم الأليزبثي غارقة في بحر خضم من الحروب الدينية والمنازعات المذهبية، وكان أدباؤها منقسمين إلى عديد البطانات السياسية المتضادة التي كانت لا تفتأ تتناحر فيما بينها على اجتناب حبل الرأي في الأمة، ومقاليد الأمور في الحكومة، والمراكز الملحوظة في السيادة، وصرفتهم هذه الحروب الدينية السياسية عن طبيعتهم، واجتاحتهم إلى ميادينها الدامية، كما يجتاح السيل الأتيُّ قطعة من الخشب، أو قصبة من القش. فلا عجب إذا تضيفت شمس الشعر - في إنكلترا - للمغيب، ولا عجب أيضاً إذا تعطلت في الناس أخيلتهم المتوثبة، ومشاعرهم المشبوبة، وصدورهم المليئة بالأحاسيس الوثابة، والعواطف الجياشة، إذ ليس في البيئة السياسية ثمة ما يغذي هذه الأمور، أو يثير أسبابها ويوقد جذوتها

وما هو إلا أن اعتلت اليصابات سدة العرش، وتسنمت عاليها وتقلدت بيدها الحديدية زمام المملكة وأعنتها، حتى سارت في خطتها على المبادئ القويمة اللاحزبية، فأباحت الناس على مختلف طبقاتهم ومللهم الحرية المطلقة في معتقداتهم، فخمد بذلك روح التناحر المذهبي - ولو إلى حين - وانفرط عقد هذه البطانات السياسية المتضادة، إذ قطع التسامح الديني الذي أوجدته اليصابات أسباب تضادها، فاستيقظت مشاعر الشعراء وعواطفهم على هدوء ريح هذا التعصب المذهبي الممقوت، وأخذت أخيلتهم المتوثبة تتحرر من أصفادها وقيودها التي كبلتها بها البيئة السياسية مدة من الزمن ليست بالقصيرة. وقد ساعد على هذه النهضة المباركة ذوق الملكة الأدبي، إذ استدنت الأدباء إلى قصرها وقربت الشعراء من بلاطها، فكان عملها هذا وتشجيعها للأدباء بمثابة التعويض العادل للآداب عما خسرته تحت نقع تلك الحروب المذهبية - السالفة الذكر - التي خلقها تكالب الكاثوليك والبروتستنت على السيادة

<<  <  ج:
ص:  >  >>