توافينا الأنباء الفنية الخارجية يوماً بعد يوم بدلالات كثيرة على اهتمام الأمم الراقية في الأعوام الأخيرة بالمسرح اهتماماً يوشك أن يعيد إليه اعتباراته الأدبية ومكانته الفنية الصحيحة مما حدا بكثير من النقاد إلى تسمية عصرنا الحاضر بعصر (بعث المسرح
فنحن نجد مثلاً أن بعض كبار الممثلين (وفي مقدمتهم شارلس لوتون) يقررون اعتزال السينما وقصر جهودهم على المسرح! ونجد أيضاً أن هيئة فنية لها قيمتها مثل (جمعية المسرحيات ذات الفصل الواحد) في لندن لا تكتفي بمضاعفة نشاط المسرح الخاص بها مضاعفة جبارة بل تقرر علاوة على ذلك طبع ونشر أضخم عدد ممكن من روائع المسرحيات ليتسنى لمن لا يحظى بمشاهدتها مثلاً أن يحظى بقراءتها متى أراد. وفعلاً صدرت - في فترة قصيرة - جملة مجموعات من بينها المجموعة المعروفة:(مسرحيات النساء) جمع واختيار الكاتبة (اليزابيث إفرارد ونجد كذلك أن مؤتمر الخبراء المسرحيين التابع لمنظمة التعاون الثقافي لهيئة الأمم المتحدة يقرر - فيما يقر - بجلسته المنعقدة بباريس في يوليو الماضي: (اعتبار المسرح أداة ثقافية رفيعة. . . وإنشاء معهد مسرحي عالمي. . وتأليف جمعية دولية من المسرحيين العمليين والنظريين للنهوض بالمسرح وكفل أسباب التعاون بين رجاله في العالم والمحافظة عليه من طغيان السينما. . . الخ).
هذا في الخارج، أما في مصر والشرق بصفة عامة فأغلب الظن أن المسرح لا يزال - بالرغم من جهود القائمين على شؤونه - من أقل الفنون شأناً بلا سبب واضح سوى جهلنا بحقيقته من جهة وعدم التفاتنا إلى مكافحة هذا الجهل من جهة أخرى. ومرد ذلك إلى أننا - فيما يبدو - لم نؤمن بعد هذا الفن العريق من حيث كونه (فناً) له ذاته وله موضوعاته الخاصة به وله مقوماته وله فوائده الأدبية والمادية. . . بل لعلنا لم ندرك بعد - أو لم نكد ندرك - ما له من قيم
لهذا سأبدأ بشرح موجز لأهم هذه القيم تاركاً لمن يشاء حرية المناقشة في حدود الفن الذي نرجو له كل نماء وازدهار: