لعلنا لا نغلو إذا قلنا إن الفن المسرحي أرفع الفنون الجميلة وأفضلها. وربما كان من السهل أن ندلل على ذلك بدليل بسيط معقول وهو أنه إذا كان كل فن من الفنون يؤدي رسالة ما وبجانب ذلك قد يشبع حاسة ما (الموسيقى تشبع حاسة السمع مثلاً والتصوير يشبع حاسة البصر. . . وهكذا) فإن الفن المسرحي باعتباره شاملاً لكثير من الفنون يؤدي بالطبع رسالاتها جميعاً أو معظمها وبجانب ذلك يشبع أغلب ما تشبعه من حواس. ولكن لا نريد أن نقف عند هذا التدلي السطحي وأن كان منطقياً فإن للفن المسرحي في ذاته ومن ذاته قيمة كبرى مستمدة من أنه ينفرد دون سائر الفنون بإبراز ما في الحياة من صور إنسانية بطريقة حية وناطقة إبرازاً (واقعياً) خالصاً. هذه مسألة هامة ودقيقة جداً لأنه قد يظن أحياناً أن التصوير الخيالي أروع من التصوير الواقعي. . وهذه غلطة شائعة. فالخيال أن لم يكن متصلاً بالواقع اتصالاً قوياً أصبح تخيلاً أقرب إلى الوهم وأدعى إلى التضليل! والفن المسرحي هو أكبر الفنون استئثاراً بالواقع على نحو نموذجي. وهذه ميزته. فهو - لأصالته وقوته - أشد الفنون نفوراً من الشذوذ الخارق واصدقها تعبيراً عن الحياة الإنسانية وما يخالجها ويحركها من عواطف مختلفة بحيث لا تخرج الظواهر الممثلة على المسرح عن الحدود الطبيعية. سلوك إنساني في عالم إنساني مأهول يؤثر في الناس ويتأثر بهم.
ولهذا يشترط في المسرحية الناجحة أن تكون حوادثها محتملة الوقوع وخاتمتها طبيعية أي متمشية مع مجرى هذه الحوادث وبذلك تكون مرآة ناصعة يشاهد الجمهور فيها صورة من حياته ويلمس العوامل التي كونتها. . . أي يرى (حقيقته على المسرح رؤية مجسمة ومركزة كما يحس جمال الفن في أبدع مظاهره وأبهجها وفي هذا كله ما يثير رغبته في تصحيح أوضاعه وتجميلها والتطلع إلى مثل عليا.
المسرح وقيمته الفكرية:
كاد يصح في أذهان الناس أن المسرح مجرد متعة. وإنه لكذلك. ولكن ما نوع هذه المتعة؟ أليس للفكر فيها نصيب؟! وإلا فبماذا نفسر تطور المسرحيات من صراع بين قوتين إلى صراع بين عاطفتين إلى صراع بين الإنسان وبيئته وخواطره وملكاته؟ وبماذا نعلل وجود