للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

بين أزمة الكتب وأزمة القراء:

(لست أدري لماذا آثر هذا القارئ الصديق أن يخفي اسمه؟)

بهذا السؤال المشرئب إلى جوابه بدأت تعقيبك اللبق على دفاع قارئ صديق عن القراء. ثم تفضلت فأبديت رأيك في الدفاع (شكلا) وفي القارئ (موضوعا). فما كان أكرم شعورك وأحسن ضنك إذ تقول (لقد دافعت دفاعا حارا عن القراء، لأنك قارئ مثالي ينظر إلى غيره على أنه نسخة صادقة منه. . . ألا ليت القراء كانوا في مثل شغفك في القراءة وولعك بالإطلاع ووفائك للأدب. .) وحيال هذه العبارة النبيلة يجمل بي أن أنيخ مطية الوقوف بعض الوقت. . . لأسوق إلى رحابك هوادي الشكر أطلق في جوائك طيوب الثناء؛ ولأن جنين الإجابة على سؤالك السالف إنما يكمن في أحشاء هذه العبارة النبيلة؛ وبالأصح في نقيض هذه العبارة النبيلة. اجل يا سيدي؛ فلو عرفت أن حرارة إحساسي بعدالة قضيتنا نحن القراء كانت أشد تلهبا في أعماقي وأقوى اشتعالا في مسارب ذاتي من شعوري بحرارة الدفاع نفسه، لأدركت لماذا آثر هذا القارئ الصديق أن يخفي اسمه. أما أنت فقد كنت تنظر إلى المسألة من الزاوية الأخرى. . كنت تراها قضية خاسرة أحسنت الدفاع عنها، فلا غرو أن تشيد بالدفاع، وأن أيدت الحكم، وأن تطري المدافع، وإن أدنت المتهم.

ربما كنت قارئا مجدا، بل ربما كنت أكثر من قارئ في بعض الأحايين، ربما كنت ذلك القارئ الذي يقتات من ثمرات السماء - أعني ثمرات الفكر - أكثر مما يقتات من ثمرات الأرض، ويتناول من وجبات المطالعة والتثقيف أكثر مما يتناول من وجبات الطعام والشراب. ربما كان هذا واقعا من الواقع وحقيقة من الحقائق، إلا أن هنالك واقعا آخر وحقيقة أخرى يجريان في ظني مجرى العقيدة الواغلة واليقين المتغلغل؛ هنالك آلاف غيري من القراء المثاليين ممن يتضاءل بجانب شغفهم بالقراءة شغفي، وولعهم بالإطلاع ولعي، ووفائهم للأدب وفائي. لشد ما يحز في نفسي ويدهشني إذن أن تقول (. . وحتى الأسواق الخارجية التي كنا نعتمد عليها في الترويج للكتاب المصري - وأعني بها أسواق سوريا ولبنان والعراق وشرق الأردن وفلسطين والحجاز - قد أغلقتها في وجوهنا وزارة

<<  <  ج:
ص:  >  >>