للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المالية المصرية) كأنما خلت الكنانة من رواد القراءة وطلاب المعرفة، ونضبت الأذواق في المشاعر وجفت الأرواج في القلوب. إن من طائفة المعلمين خاصة ولا أقول المتعلمين عامة، إن فيها آلافا وآلافا من أبناء هذه الطائفة وحدها. أي هم لهؤلاء - ولو بحكم الصنعة كما يقولون - غير التهافت على ثمرات العقول وتلقف ما تقذف به أحشاء المطابع؟ أم أنهم لا يطالعون غير الكتب المدرسية وحدها ولا يعيشون إلا بها ولها؟ أنا لا أصدق، أو لعلي لا أحب أن أصدق هذا، وإن ترامى إلي من أحد أبناء هذه الطائفة الكريمة نفسها. فلعله أن يكون واحدا مثاليا ينظر إلى غيره على أنه نسخة صادقة منه. . . مثاليا في طموحه القاصر وقصوره المعيب ولا قياس للشواذ ولا حكم للنادر.

يخيل لي يا سيدي العزيز، بل أعتقد، أن التسمية الصحيحة لأزمتنا هذه إنما ينبغي أن تكون (أزمة الكتب) لا (أزمة القراء) فالكتب هي التي تعاني أزمة الكساد ومحنة الركود ما في ذلك ريب. أما القراء - قراء الكتاب وغير الكتاب - فلا يزالون على وفرة في العدد وشغف بالقراءة وولع بالإطلاع ووفاء للأدب. وأعني بالكساد هنا - كي أبعد عن قولي شبح التناقض - ذلك الكساد المادي على وجه التخصيص. ولن يكون القارئ بحال هو المسئول الوحيد عن هذا الكساد. فالكتاب أنفسهم مسئولون عنه متلبسون به متسببون فيه. فلقد أوشكوا - لأمر ما - لا يدعون للقارئ فسحة من الوقت يلقاهم فيها على صفحات كتاب. . . لكثرة ما يزحمون من وقته ويشغلون من زمنه بالمقال العابر والرأي الطائر على صفحات الورق السيار.

ودور الكتب الحكومية وفروعها من المسئولين - فيما يخيل لي - عن أزمة الكتاب أيضا. فأنا أعرف عشرات من القراء لا ينفقون مليما واحدا في شراء كتاب رغم شغفهم بالقراءة وولعهم بالإطلاع ووفائهم للأدب، لأنهم يجدون في هذه الدور بالمجان ما يكفيهم مؤونة الشراء ومشقة البذل، ولا معتب على القارئ ولا ملام إن هو لجأ إلى تلك الطريق كي يوفر لنفسه ثمن القميص الحريري الهفهاف والرباط العنقي الثمين فليس من السهل - كما هو الحال في الكتاب - أن يستعير هذا القميص أو ذاك الرباط (استعارة داخلية أو خارجية) ولقد غدت هذه الأشياء المظهرية إحدى، أن لم تكن أولى - ضرورات الحياة في هذا العصر. . . العصر الأمريكي. . . أو عصر الدنيا الجديدة، إن صحت هذه التعابير. سيدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>