لست أعني أن تغلق دور الكتب أبوابها - أستغفر العقل - ولكنني أرى ألا تتيح للقارئ الإطلاع على أي كتاب حديث الطبع قبل أن يمضي عام أو أكثر على عرضه في الأسواق.
ودور النشر العامة، أو لعلها المكتبات التجارية خاصة، مسئولة بدورها عن هذه الأزمة ذهبت مرة لشراء بعض الكتب من إحدى تلك المكتبات المنبثة بين الأعمدة القائمة على إفريز شارع محمد علي بالقاهرة، وما أن تعارفنا - صاحب المكتبة وأنا حتى أشعرني إشفاقه علي (ماليتي الضائعة) في شراء الكتب، وأردف هذا بفكرة سعيدة موفقة يضرب لي فيها عصفورين بحجر أن يعيرني ما أرغب بمطالعته أو نسخه من الكتب لقاء قروش معدودات. وبهذا - على حد قولي - يمكنني أن أطالع ستة كتب مختلفة بثمن كتاب وأحد. ومعنى هذا أيضا، معناه الآخر، أن نعمل عل كساد ستة كتب مختلفة كسادا ماديا بالغ الأثر قوي الوضوح.
أفلا توافقني أنت إذن على أنها أزمة الكتب وليست أزمة القراء، وأن التبعة ينبغي ألا تلقى على كاهل القارئ وحده وألا يتحمل فيها قسوة الحكم بمفرده. ولا أقل من أن نوجد له شركاء في (التهمة) حتى تخف العقوبة عليه حين تتوزع عليهم.
وبعد. . فكم أود يا سيدي أن تنتهي إلى لقاء في الرأي على قارعة هذه المسألة. . . يفضي إلى لقاء آخر قريب على صفحات كتبك. كم أود أن أقول لك: ليس من الخير، ولو بالنسبة إلى أصدقائك العديدين في مختلف أقطار العروبة، أن ترجئ طبع ما لديك من كتب، حتى يكون للأدباء نقابة أو لا يكون. ليس من الخير أن تعيش حياتك كلها في عالم الواقع حتى لا تفقد عالم الخيال! وما أجمل الخيال، ما أجمله من عالم! ليس من الخير أن تشكوا من قراء الكتب، كتبك أنت بالذات. ليس من الخير أن تشقق من لقائهم في مقبل الأيام، فإنهم - كما قلت لك في رسالتي الأولى - على استعداد تام، وبرهانهم فوق أيديهم، أن يشتروا منك كل كتبك منذ الآن. قبل طبعها. فهلا أعنتهم على تحقيق بغيتهم واستجابة طلبتهم؟
كلما أرسلت النظر إلى رفوف المكتبة العربية، حيث تشع منها هذه الأسماء اللوامع: طه حسين، العقاد، هيكل، أحمد أمين، الزيات، الحكيم، تيمور؛ طالعني فيها رف شاغر يومئ إليك ويهيب بك أن تسد رمقه وتروي ظمأه وتملأ فراغه.