للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بعض ما نحب وما نكره]

للأستاذ حسين الظريفي

لكل منا ما يحب وما يكره من الأشياء والأشخاص لغير علة ظاهرة لديه. وقد تمتلئ النفس بهذا الشعور إلى حد يبعث فيها الرغبة بالبحث عن العلة، فلا يكاد يجد لها وجهاً تحمل عليه، ويظل يحمل في طيات نفسه ما تنفعل به من الحب أو الكره لهذا أو ذاك، وهو في حيرة من أمر ما يملك عليه وعيه وما رواء وعيه من دفائن الشعور.

ولا يقف الشعور عند حد امتلاء النفس به، وإنما قد يفيض على اللسان ويظهر بأعمال الجوارح، فتندفع بقواه المجهولة، إلى استحسان أو استهجان ما لولاه لما بدا لنا رأي فيه. وقد نصدع أو ندع لمجرد إشباع تلك العاطفة العمياء، فتحدث لنا من المشاكل ما نحن في غنى عنه

ويظل أحدنا طول الحياة، وهو رهين حبه لهذا أو كرهه لذاك، وما حبه وكرهه إلا وليد نظرة عابرة، هي أجدر بأن تولد وتموت ولا تعقب. وقد يحاول الخلاص من هذا الشعور الخاص ولا يجد السبيل إليه

وقد يكون لهذا الشعور من الأثر في سلوكنا ما نظل رازحين تحت أعبائه مدى الحياة، فتسوء علائقنا بهذا، لا لشيء إلا لأن أول نظرة ألقيت عليه كانت وحياً بالنفرة منه. وقد يكون من الخير لنا أن نصل به ما انقطع، ولكن ذلك الشعور الغامض يأبى إلا أن يرى الشر فيه، وقد تكثر مظاهر هذا الشعور في ناحيتيه الإيجابية والسلبية، فتزداد به متاعبنا في الحياة، ونريد الخلاص ولات حين خلاص. ذلك لأن فيما وراء هذا الشعور باعثاً تطاول عليه الزمن ومحاه من الذاكرة، ولكنه بقي حياً فيما وراء الوعي، ولا يكاد يجد فرصة الظهور حتى ينساب إلى مجرى الشعور وبوقع أثره الخاص.

ويخطئ أولئك الذين يعللون هذا الانفعال بفعل الغريزة، فليس في الأمر شيء مما يتصل بالفطرة، وإنما هو من فعل التجارب الماضية. تلك التي حدثت لنا في فجر الحياة فأحدثت في نفوسنا هذا الانبساط أو الانقباض. ثم جللها الزمن برداء الصفاء من ساحة العقل الشاعر فانحدرت إلى ما وراءه واستقرت في قاع العقل الباطن حية فتية ولكنها لا تهز النفس إلا بيد ذات قفاز، ولا تظهر إلا بوجه مستعار. وذلك هو موضع الخطأ الذي وقع فيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>