(والأدب لو تدبرت متعة تلهو بها النفوس، ولذة تنشط لها العقول، وفن جميل نقرؤه فتبرز الأحلام، وتتدافع الخواطر، وتخف الحياة، ثم نخلص إلى عالم حلو لا تجثم عليه أثقال السعي والعيش، ولا تحده قيود الجد والوقار. .)
وسكت هامسا قد انفجرت عيناه الصغيرتان تستطلعان في وجهي أثر الحديث، وتتبينان ما عسى أن أقول، فراعه أن أجمع الأنف وأزوي اللحظ وأقطب ما بين الحاجبين، ثم أقوم هادئا إلى مكتبتي المتواضعة فأنزع منها رسالة في مائة صفحة قد ألفت النظر إليها والإنعام فيها منذ سنوات، فما أتركها إلا لنوم أو طعام، أو شأن من شؤون الدنيا. وشرعت أتلو على صاحبي صفحة موجزة ليست جديدة في روحها ومعناها لدى القراء، ولكنها جديدة طريفة في عيني، أريد أن أذيعها اليوم في الناس ليتدبروها وليروا الرأي الذي يرتئون فيها
فافتح إن شئت أية مجلة عربية، فانك لا شك واجدها قد جردت كثيرا من صفحاتها للشعر، أو للشعر المنثور، أو لغير هذا من القطع الفنية مما يسمونه أدبا، وما هو من الأدب الصادق الصحيح في شيء! والظاهر أن اعتبار الأدب وسيلة للتعابث والمفاكهة، أو للتظرف والمنادمة، هو علة هذا الهراء والهذيان، وسبب قوي لكل ما يعتري الآداب والفنون من انحطاط وإسفاف، وما يتدسس إليها من ألوان المجانة وفضول الكلام. ونحن في هذه العجالة إنما نبغي تبيان أوجه الخطأ في هذه النظرة اللاهية الهازلة، والكشف عن عقمها وفسادها، وعن نتائجها الخطيرة التي تقتل في الأدب روح الجد والصدق والطبع
وقبل أن نخوض في هذا الحديث الذي يستشرف له القلم اليوم نقرر أن النهضات القومية التي تحدو بالأمم في مدارج العظمة والمجد، وتنفث في الشعوب معنى القوة والاستقلال، لا تطلع عليها إلا إثر النهضات الأدبية التي تهتاج فيها النفوس، ويتيقظ الشعور، وتلتهب العواطف، ويتحرك الكامن من الهواجس والأماني، فيكون الأدب بمثابة ناقوس يهيب بالركب الغافي إلى المسير والعمل. فهذه ألمانيا لم يستطع بسمارك تأليف وحدتها وضم