دويلاتها بعضها إلى بعض إلا بعد أن تذوق الألمانيون آثار جوت وشيلر وهيني وليسنغ وهردر. وهذه فرنسا ما نهضت في الثورة الكبرى إلا بعد أن شاعت بين أبنائها مؤلفات روسو وفولتير ومونتسكيو. وشبيه بذلك إنجلترا في القرن السابع عشر يوم هبت للحياة العالية وللفتح والسيادة، فقد كان شكسبير وغير شكسبير نشروا قبل ذلك في الأمة الإنجليزية أرواحهم الحية ونفثاتهم القدسية
هذا ما تستفيده الجماعات من الأدب؛ ولعل ما يعود منه على الفرد أجل وأرفع، ذلك بأن الأدب باب كبير من أبواب السعادة، وطريق ناعم ناضر تشم من جوانبه روائح الورد، وتمتع باصريتك في مسالكه بأكمام الزهور، وتتسمع في أجوائه إلى أناشيد البلابل الثائرة الخافقة. انك بالأدب تحيا حياة طيبة راضية، تحيا حياة موسعة (مضاعفة) تحسها في أعماق قلبك، وفي رجع شهيقك وزفيرك!
إن العطف والألفة قوام الهيئة الإنسانية، فلا ينعم امرؤ بالانفراد ولا يهنأ بالوحدة، وأحسب لو أن الناس جميعا كانوا فجرة خسرة لا يجوز منهم إلى جنة الله غير رجل واحد لكان هذا الرجل الصالح أنكد حظا وأسوا مقاما ممن هم على النار يتقلبون! كأني أراه في جنبات الفردوس وعلى ضفاف الأنهار يمشي على غير هدى وإلى غير غاية حتى تبلى قدماه، وينظر إلى أفاويق النعيم وألوان الجمال فتبدو له كئيبة محزونة، ثم يرتمي في الجحيم الصالي يفضله على هذا النعيم الذي لا يرى فيه من يقول له: ما أرغده! ويحب ذو النعمة الحسد، ولو نزع من الصدور لاشتراه وفرقه على الناس مجانا ليحسدوه على ما به من نعمة! ويرتاح العاشق إلى من يتحدث إليه عن فرحة حبيبة وغضبة عذولة. . . فالسعادة كما ترى لا تتم حتى تستجلي مثالها في المرآة، والإنسان لا يطرب حقا إلا إذا رأى كلا م النفس مسطورا على قطعة من طرس
فما دام التعاطف عماد الحياة فلن يوجد بغير تعبير، لأن الحياة لا يمكن أن تكون بغير أدب؛ تصور أمة تتملى في نفسها شعورا ساميا: هذا تطمح آماله إلى السيادة، وهذا يدفعه حب الخطر إلى جوب البحار ومجاهل الأرض، وذاك تترع قلبه بهجة الجمال وفتنة الحسن؛ تصور أمة تجيش في نفوس أبنائها مختلف الميول والأهواء ملحة قاسية، مكتظة دافقة؛ أفتستطيع أن تتمثلها حريبة من الأدب؟ أما أنا فلست أعرف أمة حية لم يكن لها أدب