جميل؛ فان أمة لا تعرف الشعور مكتوبا لا تعرفه محسوسا
فالأدب كما ترى ليس حلية تزين بها الأمة جيدها، وليس هو ألهية من الألاهي كما يزعم الأستاذ شفيق جبري لأنه لو كان كذلك لانتظم في سمط الكماليات، والأدب إنما هو ضرورة من ضرورات الحياة، وشرط لازم لها، لا يمكن تخيلها ولا تكمل سعادتها بدونه
ما ينبغي أن يكون الأدب ألهية من الألاهي نعبث بها على ما تقتضيه المآرب وترتضيه الأهواء، فان الشر كل الشر في هذه النظرة الخاطئة، ذلك بأن الألهية تصدفنا عن جليل الحياة وعظيمها، وتدفعنا إلى عالم البطالة نلهو ونعبث؛ فإذا نحن رحنا نصور ذلك ظفرنا بما لا خطر فيه ولا قيمة له، ونكون كمن فاز بالقبض على الريح. واعتبار الأدب ألهية يهيب بالمتأدب إلى أن يتحرر من ربقة الجد واللمحة الصادقة، فيهذي لغوا تقرؤه العقول في ساع كلالها وفتورها، أو يستمع الناس إليه كما يستمع الوالدان إلى ولدهما المحبوب وهو يلثغ بالألفاظ والكلمات، فإذا كذب أو أخطأ أو مسخ الحقيقة أو شوه الفضيلة غفر له ذلك
ولعل في النظر إلى الأدب كألهية مدعاة إلى التزويق في البيان، والإكثار من المحسنات البديعية من جناس وتورية وطي ونشر، فينعدم الطبع ويغدو الشعر مجموعة من الألاعيب اللفظية والتهريج الكلامي. والحق أننا بلغنا في هذا غاية ننكرها ونأسف لها، فنحن ما نزال نخطئ في تقديرنا للشعر، وفهمنا للمعاني، ونقدنا لفنون القول والبيان، وما نزال بسطاء سذجا تخدعنا البهرجة الكاذبة والطلاوة العابثة، وتفتتنا الألاعيب اللفظية والأناقة الكلامية، وترانا على ثقافتنا وجلال نهضتنا نجهل كل الجهل مقاييس الأدب الصحيحة، وحدود الجودة والرداءة، ومواطن الجمال والدمامة، نستحسن ما تغثى منه النفس وما هو حقيق بالنبذ والإهمال، ثم نستقبح ما قد يكون في الذروة من البلاغة الرائعة! فما أحوجنا إلى إصلاح هذه النظرة العقيمة التي نزن بها الآثار الفنية، وتصحيح الذوق الأدبي المقلوب! وما أفقرنا إلى من يأخذ بأيدينا إلى النماذج الحية فيدلنا على قوتها وحسن تمثيلها، وإلى السخافة المرذولة فيرينا وجه ضعفها وعبثها! وعندي أن كل إنتاج في الأدب لم يبدأ بهذا الإصلاح على هذا النحو فإنما هو محاولة فاشلة فائلة، ومضيعة للجهود المبذولة في غير طائل. . .