كتاب في بضع وثمانين صفحة، ولكنه يقدم صاحبه خير تقديم؛ يقدمه في معرض النقد الأدبي حين يكون للذوق المرهف أثره الملحوظ في اللمحة الفنية التي تغنى عن لمحات، وفي اللمعة الفكرية التي تهدي إلى لمعات. . . أما الكتاب، فهو (تحت المبضع)، وأما الكاتب فهو الأستاذ محمد روحي فيصل رئيس قلم المطبوعات في (حمص).
هذه كلمات يجب أن تقال قبل أن أقدم للأستاذ روحي فيصل خالص الشكر على هديته، وقبل أن أضع مبضعه تحت المبضع، فأتفق معه حيناً، وأختلف معه حيناً آخر. . . ولا بأس أبداً من أن نلتقي هنا لنفترق هناك، وما دامت السطور الأولى من هذه الكلمة النقدية تحمل إلى القراء حكما صادقاً وأخيراً على شخصية الكاتب وما كتب!
في هذا الكتاب فصول أفردت لنقد الشعر والنثر ممثلين في مهرجان أبي العلاء. . . ومرة أخرى نعود إلى فيلسوف المعرة لننظر فيما قاله الأستاذ روحي فيصل عن هؤلاء الذين اشتركوا في إحياء ذكراه، وبخاصة تلك النخبة من الشعراء أمثال الأساتذة: عمر أبي ريشة، وبدوي الجبل، وشفيق جبري، ومحمد البزم، ومهدي الجواهري. . . شعراء خمسة تقدم كل منهم إلى المهرجان بأبيات من الشعر تفاوتت في سبحات الخيال ورفات الجناح، وكاتب يقف منهم جميعاً موقف العارض في أمانة، المحلل في أناة، الناقد في ثقة واحتشاد.
أول شيء أود أن أشير إليه هو تلك الكوى الفكرية التي أطلت منها رؤوس الشعراء والناثرين لتنفذ إلى أغوار الشخصية العلائية. . . بماذا خرجت تلك الرؤوس من ذلك الفكر المسجى على فراش الأجيال والعصور؟ أكاد أقول لا شيء!. . . لا شيء غير تلك القصة المكررة التي ترويها كتب القدامى والمحدثين، ولا شيء غير ذلك (الفلم) الذي تعرض مناظره على (شاشة) الشعر والنثر دون أن تتجدد الزوايا العديدة في الصور النفيسة، وكأن أبا العلاء على كثرة (المخرجين) و (المصورين) نسخة واحدة أبرز فصولها مخرج واحد، والتقط مشاهدها مصور واحد، وكأني كنت أمد عيني إلى مهرجان أبي العلاء، وأرهف سمعي إلى ما يقال عنه يوم أن فلت في عدد مضى من (الرسالة): (لو قال الباحثون عن