يشعر العالم المتمدن اليوم بأن قوة جديدة خطيرة قد نزلت إلى الميدان الصناعي والتجاري، وهذه القوة تندفع إلى الإمام بسرعة مدهشة، وتجرف أمامها كل حاجز وكل مقاومة، وتضطرب لها جميع أسواق العالم شرقية وغربية: تلك هي قوة الغزو التجاري الياباني الذي تهتز أمامه اليوم معظم الأمم الصناعية والتجارية، وترقب تفاقمه في خوف وهلع. ولقد كان هذا الغزو منذ عامين أو ثلاثة شديد الوطأة على بعض الأسواق الكبرى، ولا سيما أسواق الإمبراطورية البريطانية، ولكنه اليوم يغدو مشكلة عالمية. فمن آسيا إلى أفريقية وأوربا وأمريكا الجنوبية يجتاح هذا الغزو المدهش جميع الأسواق القديمة، ويلقي الذعر في دوائر الصناعة والتجارة العليا، ويثير أينما حل كثيراً من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. ولقد حاولت الدول الصناعية والتجارية الكبرى أن تحد من أخطار هذا الغزو بجميع الوسائل الممكنة، وفي مقدمتها الحماية الجمركية، ولكنها لم توفق حتى اليوم إلى صده بطريقة ناجعة، لأنه يعتمد في قوته واندفاعه على أسس اقتصادية محكمة، ويتفوق بمزاياه المدهشة على كل منافسة ومقاومة، ويتحدى كل إجراء لرده لا يستمد من نفس الأسس الاقتصادية التي يقوم عليها
وقد ظهرت طوالع هذا الغزو الياباني في المشرق بقوة: في الصين والهند وأفغانستان وفارس والبلاد العربية ومصر؛ واجتاح الأسواق القديمة في الحبشة، وفي شمال أفريقية وفي جنوبها؛ ثم اجتاح أسواق أمريكا الجنوبية؛ كل ذلك بسرعة مدهشة لم تترك مجالاً للقيام بأية مقاومة منظمة؛ ولم يكتف بمنافسة الصناعة الأوربية المؤثلة في أسواقها القديمة فيما وراء البحار، ولمنه نفذ إليها في نفس مواطنها ومر معظم الأمم الأوربية ذاتها، وأصبحت البضائع والمنتجات اليابانية تتدفق عليها كالسيل، وتنافس البضائع والمنتجات المحلية منافسة الحياة والموت. ولما كانت قوة الأمم الغربية ورفاهتها وسلطانها السياسي والاقتصادي في أفريقية وآسيا تقوم على صناعتها وتجارتها قبل كل شيء فأنا نستطيع أن نتصور ما يثيره هذا الغزو الياباني الخطر في معظم الأمم والحكومات الأوربية من عوامل الخوف والجزع