للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القَصصُ

صديقان حميمان

للكاتب الإيطالي لويجي بيراند للو

كان جيجي ميار ينتظر مركبة الترام لتقله كالمعتاد إلى طريق باسترينو حيث مقر عمله وكان متذيراً بمعطفه ذلك الصباح، وقد وضع منديله على أنفه، ويديه في قفاز إنجليزي صفيق فإن المرء إذا ما جاوز الأربعين، فإن ريح الشمال لا تعد مزاحاً.

إن كل امرئ يعرف أن مركبة الترام لن تقبل بأية حال إذا كان في انتظارها. فإما أن تتعطل في منتصف الطريق لانقطاع التيار الكهربائي، أو تختار مركبة تمر عليها، أو شخصاً سيئ الحظ تدهمه تحت عجلاتها. وكانت ريح الشمال الباردة تهب بشدة في ذلك الصباح. وجعل جيجي ميار يرفع رجلاً وينزل أخرى، وهو يراقب النهر وقد بدا كأن المسكين يشعر بالبرد القارص أيضاً.

وأخيراً أقبلت مركبة الترام تدندن، وأخذ جيجي يستعد للقفز فيها وهي سائرة دون أن تقف، عندما سمع صوتاً آتياً من بونت - كافور ينادي (جيجي، أيها الصديق العزيز، جيجي) فالتفت فرأى سيداً يهرول قاصداً نحوه، يلوح بذراعين كأنهما عموداً التلغراف. وفي تلك الآونة ابتعدت مركبة الترام. وكان عزاء جيجي على ابتعادها أن وجد نفسه بين ذراعي السيد الغريب الذي لابد أن يكون صديقاً حميما له، إذا حكم على ذك من عنف القبلتين اللتين طبعهما الرجل على المنديل الحريري الذي يغطي وجهه

وقال الرجل - أتعلم أني عرفتك في الحال، أيها العزيز؟! ألا تخجل من نفسك؟ أعطنا قبلة يا عزيزي لبلوغك هذه السن. إنك تبدو وكأنك كنت واقفاً في انتظاري. وعندما شاهدتك تمد ذراعك لتتعلق بمركبة الترام اللعينة قلت لنفسي (هذه خيانة محض خيانة). فقال ميار وقد علت شفتيه ابتسامة مغتصبة - نعم، كنت ذاهباً إلى المكتب.

- أرجوك، لا تحدثني عن مثل هذه الأشياء المنفرة.

- لماذا؟ - إني أعني ذلك. في الواقع أُلح.

- أنت شخص غريب الأطوار أتعرف؟

- نعم أعرف. ولكن خبرني، إنك لم تكن متوقعاً رؤيتي، أليس كذلك؟ إنه يبدو في وجهك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>